للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إمبراطوريتها في أول الأمر بشره وقسوة، ثم بدلتهما تسامحاً وعدالة رضيت بهما الدولة العظيمة رضاً لم تعرف له نظير فيما تلا ذلك من الزمان، وجعلت الصحراء تزدهر بالحضارة، وكفّرت عن ذنوبها بما بسطته على بلادها من سلم دائمة طويلة، وها نحن أولاء في هذه الأيام نبذل أعظم الجهود لنحيي السلم الرومانية في هذا العالم المضطرب.

في هذا الإطار الذي لم يسم عليه إطار غيره شادت روما صرح حضارة يونانية في أصلها، رومانية في تطبيقها ونتائجها، ولسنا ننكر أن انهماكها في شئون الحكم قد شغلها عن أن تنتج من الأعمال الذهنية مثل ما أنتجت بلاد اليونان؛ ولكنها استوعبت التراث الصناعي، والعقلي، والفني الذي تلقته عن قرطاجنة ومصر وبلاد الشرق، وقدرته أعظم التقدير، واستمسكت به اشد الاستمساك. ولسنا ننكر كذلك أن العلوم لم تتقدم على يديها، ولم تدخل شيئاً من التحسين الآلي على الصناعة، ولكنها أغنت العالم بتجارة كانت تسير في بحار آمنة، وأنشأت شبكة من الطرق الباقية حتى الآن أضحت شرايين يجري فيها دم الحياة الجياش. ولقد مرت فوق هذه الطرق، وفوق ألف من الجسور الجميلة إلى عالم العصور الوسطى والعالم الحديث أساليب الزراعة والصناعات اليدوية، والفنون، وعلم إقامة المباني التذكارية وأعمال المصارف والاستثمار، وتنظيم الأعمال الطبية والمستشفيات العسكرية، ونظام المُدن الصحي، وأنواع مختلفة من الفاكهة، أشجار النقل، ونباتات الحقول والزينة، التي جاءت بها من الشرق لتتأقلم في الغرب، وحتى سر التدفئة المركزية قد انتقل من الجنوب الدافئ إلى الشمال البارد. ولقد خلق الجنوب الحضارات ثم غليها الشمال على أمرها فدمرها أو استعارها من أهلها.

ولم تخترع روما نظم التربية، ولكنها أنمتها ووسعتها إلى حد لم يُعرف له مثيل من قبل، وأمدتها بمعونة الدولة، ووضعت المنهاج الذي ظل باقياً يعذبنا في