للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سراح إشتار، وتصدع إرشكجال بأمر الآلهة، ولكن إشتار تأبى أن تعود إلى ظهر الأرض إلا إذا سمح لها أن تأخذ معها تموز. وتجاب إلى طلبها، وتجتاز وهي ظافرة الأبواب السبعة، وتتسلم منطقة حقويها ثم الزركشة البراقة التي كانت على يديها وقدميها، ثم منطقتها، ثم حلي صدرها، وعقدها، وقرطيها، وتاجها. فلما ظهرت على الأرض نما النبات وأينع من جديد، وامتلأت الأرض طعاماً، وعاد كل حيوان يعمل للإكثار من نسله (٨١)، وعاد الحب- وهو أقوى من الموت- إلى مكانه الحق سيد الآلهة والأناسي. تلك قصة كل ما يراه فيها عالم اليوم أنها قصة رائعة خليقة بالإعجاب، ترمز في صورة جميلة ممتعة إلى موات التربة وعودتها إلى الحياة في كل عام، إلى ما للحب من قدرة دونها كل قدرة، وصفها لكريتس في شعره القوي حين تحدث عن الزهرة (فينوس). أم البابليون فكانت لهم تاريخاً مقدساً يؤمنون به أقوى إيمان، ويحتفلون بذكرى وقائعه في يوم يحزنون فيه وينتحبون ويبكون تموز الميت، يتلوه يوم يبتهجون فيه ويمرحون وهو يوم بعثه (٨٢).

بيد أن عقيدة الخلود لم يكن فيها ما تبتهج له نفس البابلي. ذلك أن دينه كان ديناً أرضياً عميقاً. فإذا صلى لم يكن يطلب في صلاته ثواباً في الجنة بل كان يطلب متسعاً في الأرض (٨٣)، ولم يكن يثق بآلهته بعد أن يوارى في قبره. نعم إن نصاً من نصوصهم يصف مردك بأنه "الذي يحيي الموتى" (٨٤)، وأن قصة الطوفان تقول أن من نجوا منه قد عاشا أبد الدهر. ولكن فكرة البابليين عن الحياة الآخرة كانت في جملتها شبيهة بفكرة اليونان: فكرة أموات- فيهم قديسون وأنذال، وفيهم عباقرة وبلهاء؛ يذهبون كلهم إلى مكان مظلم في جوف الأرض ولا يرى الضوء من بعد ذلك أحد منهم. وكانت هناك جنة ولكنها اختصت بالإلهة، أما أرالو التي يهبط إليها جميع الناس فكانت داراً للعقاب في معظم الأحوال ولم تكن قط دار نعيم، تقيد فيها أيدي الموتى وأرجلهم أبد الدهر، وترتجف فيها أجسامهم من البرد،