السياسي، ويعيد الرخاء إلى الولاية، ويملأ خزائنها بالمال، ويخفض في الوقت عينه ما كان مفروضاً على البلاد من الضرائب. وعجب الناس كيف استطاع هذا الشاب الغارق في التفكير، الذي لم ينتزع من بين كتبه إلا من وقت قريب، أن يبذل نفسه فيجعل منها -كأنما قد مسته عصا ساحر- قائدأ محنكاً، وحاكماً عظيماً، وقاضياً عادلاً رحيماً (٢٥). وكان هو الذي وضع في القضاء ذلك المبدأ القائل بأن المتهم يعد بريئاً حتى تثبت إدانته. وكان سبب تقرير هذا المبدأ أن نومريوس Numerius أحد حكام غالة النربونية السابقين اتهم باختلاس الأموال التي عهد إليه تحصيلها؛ ولكنه أنكر التهمة، ولم يكن من النستطاع دحض حجة من الحجج التي أدلى بها. وأغتاظ القاضي Delfedius لنقص الأدلة التي تثبت التهمة عليه فصاح قائلاً: "أي قيصر عظيم! هل يمكن أن يدان إنسان إذا كان مجرد إنكاره التهمة يكفي لبراءته؟ " فكان جواب يوليان. "وهلا يمكن أن يبرأ إنسان إذا كان كل ما في الأمر أنه اتهم؟ ""وكان هذا" كما يقول أمنيانوس شاهداً من الشواهد الكثيرة، الدالة على رحمته" (٢٦).
غير أن إصلاحاته قد خلقت له أعداء. فالموظفون الذين كانوا يخشون بحثه وتنقيبه، أو يحسدونه لحب الناس له، أخذوا يتهمونه سراً لدى قنسطنطيوس بأنه يعمل للاستيلاء على عرش الإمبراطورية. فلما علم بذلك يوليان رد عليهم بأن كتب يمتدح الإمبراطور مدحاً فيه كثير من المبالغة. ولكن ذلك لم يبدد شكوك قنسطنطيوس، فاستدعى إليه سالست Sallust الذي كان من أخلص أعوان يوليان. وإذا جاز لنا أن نصدق أميانوس فإن الإمبراطورة يوزيبيا، التي لم يكن لها ولد، والتي كانت الغيرة من يوليان وزوجته تأكل قلبها، قد رشت بعض حاشية زوجة يوليان بأن يعطوها عقاراً مجهضاً كلما حملت. ولما أن وضعت هلينا. على الرغم من هذا، طفلاً ذكراً، قطعت القابلة حبل سرته قريباً من جسمه إلى حد