لم يصرفه عنها أي نقص في سلوك الفلاسفة .. وقد كتب في ذلك إلى يومنيوس يقول:"إذا جاءك أحد من الناس ليقنعك بأن ثمة شيئاً أعظم نفعاً للجنس البشري من دراسة الفلسفة على مهل ومن غير أن يعوقه عن دراستها عائق، فاعلم أنه مخدوع يريد أن يخدعك"(٣٧).
وكان مولعاً بالكتب، يحمل معه مكتبته في حروبه، وقد وسع دار الكتب التي أنشأها قسطنطين، وأنشأ غيرها من الدور. وكتب في ذلك يقول:"من الناس من هو مولع بالخيل، ومنهم من هو مولع بالطير أو بالوحوش البرية؛ أما أنا فقد كنت منذ نعومة أظفاري مولعاً أشد الولع باقتناء الكتب"(٣٨). وكان يفخر بأنه مؤلف وحاكم سياسي معاً، فصرف غير قليل من جهده في تبرير خططه السياسية بمحاورات على طريقة لوشيان Lucian، أو خطب من طراز خطب لبانيوس، أو رسائل لا تكاد تقل سحراً وطرافة عن رسائل شيشرون، أو مقالات فلسفية طوال. وقد شرح عقيدته الوثنية الجديدة في "ترنيمة لابن الملك"؛ وأوضح في مقاله "ضد أهل الجليل" الأسباب التي من أجلها ارتد عن المسيحية، وكتب في مقال له من النقد العالي يقول أن الأناجيل يناقض بعضها بعضاً، وإن أهم ما تتفق فيه هو أنها أبعد ما تكون عن العقل؛ فإنجيل يوحنا يختلف كل الاختلاف عن الثلاثة الأناجيل الأخرى في روايتها وفيما تحتويه من أصول الدين، وقصة الخلق التي جاءت في سفر التكوين تفترض تعدد الآلهة.
" فإذا لم تكن كل قصة من هذه القصص (الواردة في سفر التكوين) أسطورة لا أكثر، وإذا لم يكن لها، كما أعتقد بحق؛ تفسير يخفى عن الناس، فهي مليئة بالتجديف في حق الله. ذلك أنها تمثله، أول ما تمثله، جاهلاً بأن التي خلقها لتكون عوناً لآدم ستكون سبب سقوطه. ثم تمثله ثانياً إلهاً حقوداً حسوداً إلى أقصى الحقد والحسد، وذلك بما تعزوه إليه من أنه يأبى على الإنسان أن يعرف الخير والشر (وهي دون غيرها المعرفة التي تؤلف بين عناصر