الدينية بالجرأة والصلابة الخليقتين بالمسيحية الحقه، كتب إلى الإمبراطور يقول إنه (أي الأسقف) لا يستطيع بعد ذلك الوقت أن يقيم القداس في حضرة الإمبراطور إلا إذا كفر ثيودوسيوس عن جرمه هذا أمام الشعب كله. وأبى الإمبراطور أن يحط من كرامة منصبه بهذا الإذلال العلني وإن كان في خبيئة نفسه قد ندم على ما فعل، وحاول أن يدخل الكنيسة، ولكن أمبروز نفسه سد عليه الطريق، ولم يجد الإمبراطور بداً من الخضوع بعد أن قضى عدة أسابيع يحاول فيها عبثاً أن يتخلص من هذا المأزق، فجرد نفسه من جميع شعائر الإمبراطورية، ودخل الكنيسة دخول التائب الذليل، وتوسل إلى الله أن يغفر له خطاياه (٣٩٠). وكان هذا الحادث نصراً وهزيمة تاريخيين في الحرب القائمة بين الكنيسة والدولة.
ولما عاد ثيودوسيوس إلى القسطنطينية تبين أن فالنتنيان الثاني؛ وهو شاب في العشرين من عمره، عاجز عن حل المشاكل التي تحيط به. فقد خدعه أعوانه وجمعوا السلطة كلها في أيديهم المرتشية، واغتصب أربوجاست Arbogast الفرنجي الوثني قائد جيشه المرابط السلطة الإمبراطورية في غالة، ولما قدم فلنتنيان إلى فين ليؤكد فيها سيادته قتل غيلة (٢٩٢). ورفع أربوجاست على عرش الغرب تلميذاً وديعاً سلس القياد يدعى أوجينوس Eugenius وبدأ بعمله هذا سلسلة من البرابرة صانعي الملك. وكان أوجينوس مسيحياً: ولكنه كان وثيق الصلة بالأحزاب الوثنية في إيطاليا إلى حد جعل أمبروز يخشى أن يصبح يولياناً ثانياً. وزحف ثيودوسيوس مرة أخرى نحو الغرب ليعيد إلى تلك الأنحاء السلطة الشرعية ويردها إلى الدين القويم. وكان تحت لوائه جيش من الهون والقوط، والألاني، وأهل القوقاز، وأيبيريا، وكان من بين قواده جيناس Gainas القوطي الذي استولى فيما بعد على القسطنطينية، واستلكو الوندالي الذي دافع في المستقبل عن روما، وألريك القوطي الذي نهبها. ودارت بالقرب من أكويليا معركة