وراء البحر الأسود ونهري الدانوب والرين. وصفق رجال الحاشية إعجاباً بما حواه خطاب سينيسيوس من عبارات منمقة بليغة، ثم عادوا من فورهم إلى ولائمهم (١٤) وكان ألريك في هذه الأثناء يرغم صناع الأسلحة في أبيروس على أن يصنعوا لرجاله القوط كل ما هم في حاجة إليه من الحراب والسيوف والخوذ والدروع.
وفي عام ٤٠١ غزا إيطاليا، بعد أن نهب كل ما مر ب في طريقه من البلاد، وهرع آلاف من اللاجئين إلى ميلان ورافنا، ثم فروا منهما إلى روما. واحتمى الزراع في داخل المدن المسورة، وجمع الأغنياء كل ما استطاعوا نقله من ثروتهم، وحاولوا وهم في شدة الذعر أن يعبروا البحر إلى كورسكا، وسردينية، وصقلية. وجرد استلكو ولايات الدولة من حامياتها ليجمع منها جيشاً يستطيع صد تيار القوط الجارف، وانقض به عليهم في بولنتيا Pollentia في صباح يوم عيد القيامة من عام ٤٠٢ حين وقفوا أعمال النهب ليؤدوا الصلاة. ونشبت بين الجيشين معركة لم تكن فاصلة، ارتد على أثرها ألريك إلى روما التي لم تكن فيها من يدافع عنها، ولم يغادر إيطاليا إلا بعد أن نفحه هونوريوس برشوة سخية.
وكان الإمبراطور الوجل قد فكر أثناء زحف ألريك على ميلان أن ينقل عاصمته إلى غالة، أما الآن فقد أخذ يبحث له عن مكان آخر أعظم منها أمناً، فوجد ذلك المكان في رافنا، التي تجعلها المناقع والبحيرات الضحلة، منيعة من البر، والشواطئ الرقراقة مستعصية على العدو من جهة البحر. ولكن العاصمة الجديدة أخذت ترتجف من الخوف كالعاصمة القديمة حين زحف ردجيسيوس Radagaisus البربري بجيش تبلغ عدته مائتي ألف مقاتل من الألاني، والكوادي، والقوط الشرقيين، والوندال، وعبر بهم جبال الألب، وهاجم مدينة فلورنتيا الناشئة. وفي هذه العصيبة برهن استلكو مرة أخرى على براعته في القيادة، فهزم الجحفل المختلط بجيش أقل منه عدداً، وساق ردجيسيوس مكبلاً بالأغلال أمام هونوريوس، وتنفست إيطاليا الصعداء مرة أخرى، وعادت