بمهارة بزَّ بها الرومان في الحرب وفي السياسة على السواء، وقال لأتباعه إنه لا يدري كيف يَخضع القوطُ ذوو الأنفة والرجولة ويعملون أجزاء عند الرومان أو اليونان الضعفاء المنهوكين، بدل أن يعتمدوا على بسالتهم وقوة سواعدهم فيقتطعوا من الإمبراطورية المتداعية المحتضرة مملكة لهم؟ وقاد ألريك في السنة التي مات فيها ثيودوسيوس قوط تراقية كلهم تقريباً وزحف بهم على بلاد اليونان، واجتاز ممر ترموبيلي دون أن يلقي مقاومة، وذبح كل من لقي في طريقه من الرجال الذين في سن العسكرية، وسبى النساء، وخرب بلاد البلوبونيز، ودمر هيكل دمتر في إليوسيز، ولم يبق على أثينة إلا بعد أن افتدت نفسها بفدية استنفدت معظم ثروتها غير العقارية (٣٩٣). وجاء استلكو لينقذها ولكنه وصل إليها بعد فوات الفرصة، فاستدرج القوط إلى موقع غير حصين، ولكن ثورة شبت في إفريقية اضطرته إلى أن يعقد معهم هدنة عاد بعدها إلى العرب. ثم وقع ألريك ميثاق حلف مع أركاديوس أجاز فيه ثانيهما للأول أن يستقر أتباعه من القوط في إبيروس، وبسط السلم لواءه بعدئذ على الإمبراطورية أربع سنين.
وفي هذه السنين الأربع ألقى سينيسيوس القوريني، وهو أسقف نصف مسيحي ونصف وثني، خطاباً في القسطنطينية أمام حاشية أركاديوس المترفة وصف فيها في وضوح وقوة المشكلة التي تواجهها روما وبلاد اليونان والتي لا بد لها أن تختار فيها واحدة من اثنتين. وكان مما قاله في هذه الخطبة: كيف تستطيع الإمبراطورية البقاء إذا ظل أهلها يتهربون من الخدمة العسكرية، ويكلون الدفاع عنها إلى الجنود المرتزقة، تجندهم من الأمم التي تهدد كيانها؟ وعرض على الولاة الأمور أن يضعوا حداً للترف والنعيم، وأن يجيشوا جيشاً من أهل البلاد بالتطوع أو التجنيد الإجباري يدافع عنها وعن حريتها؛ وأهاب بأركاديوس وهونوريوس أن ينفضا عنهم غبار الخمول وأن يوجها ضربة قاصمة إلى جموع البرابرة الوقحين الذين في داخل الإمبراطورية، وأن يردوهم إلى مرابضهم