للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألعاب المجالدين (١). أما السباق فقد بقي حتى عام ٥٤٩ حين قضى عليه استنزاف الحروب القوطية لثروة المدن.

أما من الناحية الثقافية فلم تشهد روما منذ أيام بلني وتاستوس عصراً نشطت فيه الثقافة مثل ما نشطت في ذلك الوقت. لقد كان كل إنسان مولعاً بالموسيقى حتى لقد شكا أميانوس (٢٩) من أنها قد حلت محل الفلسفة، وأنها قد "حولت الكتب إلى مقابر"؛ وهو يصف لنا أراغن مائية ضخمة، وقيثارات في حجم المركبات. وكانت المدارس كثيرة العدد، ويقول سيماكوس إن كل إنسان كان يجد الفرصة سانحة لتنمية ملكاته (٣٠). وكانت "جامعات" الأساتذة الذين تؤدي لهم الدولة رواتبهم تعلم النحو، والبلاغة، والأدب، والفلسفة لطلاب جاءوا إليها من جميع الولايات الغربية، وذلك في الوقت الذي كان فيه البرابرة المحيطون بالدولة يدرسون فنون الحرب. إن كل حضارة ثمرة من ثمار شجرة الهمجية الصلبة وهي تسقط حين تسقط عند أبعد نقطة من جزع هذه الشجرة.

وجاء إلى المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليوناً من الأنفس حوالي عام ٣٦٥ يوناني سوري، كريم المحتد، وسيم الخلق، يدعى أميمانوس مرسلينوس الإنطاكي. وكان من قبل جندياً تحت قيادة أرسينوس Ursinus في أرض الجزيرة، واشترك بنشاط في حروب قنسطنطيوس ويوليان وجوفيان. وقد عاش هذا الرجل عيشة الجد والعمل قبل أن يشتغل بالكتابة. ولما عاد السلام إلى ربوع الشرق ارتحل إلى روما وأخذ على عاتقه إتمام العمل الذي بدأه ليفي وتاستوس، وذلك بكتابة تاريخ الإمبراطورية من عهد نيفا إلى عهد فالنز. وكتب بلغة لاتينية عسيرة معقدة، تشبه اللغة الفرنسية إذا ما كتبها ألماني؛ وكان من أسباب هذا العسر والتعقيد في


(١) ومرجعنا الوحيد في هذا هو التاريخ الكنسي Historia Ecclesiastica (في المجلد العشرين) تأليف ثيودريت الإنطاكي. وقد تكون هذه القصة من الأكاذيب التي توحي بها التقوى للمؤرخين.