كتاباته كثرة ما قرأه من كتابات تاستوس وطول الزمن الذي كان يتكلم فيه اللغة اليونانية. وكان هذا الرجل وثنياً سافراً، من المعجبين بيوليان، ومن الذين يزدرون الترف الذي كان يعزوه إلى أساقفة روما؛ ولكنه رغم هذا كله كان بوجه عام منزهاً عن الهوى فيما كتب، يمتدح كثيراً من فضائل المسيحية، ويلوم يوليان على تقييده الحرية العلمية، ويقول إن هذا خطأ يجب "أن يقضي عليه بالسكوت الأبدي"(٣١). وكان قد حصل من العلم أقصى ما يسمح وقت الجندي له بتحصيله. وكان يؤمن بالشياطين والسحر، ويقتبس من شيشرون أكبر المعارضين للقدرة على معرفة الغيب مما يؤيده به هذه العقيدة (٣٢). ولكنه كان إلى حد كبير رجلاً شريفاً لا يداجي ولا يجامل، عادلاً مع جميع الناس وجميع الأحزاب؛ "لا أزين قصتي بالألفاظ الخداعة، أمين على الحقائق إلى أبعد حدود الأمانة"(٣٣). وكان يكره الظلم، والبذخ، والمظاهر الكاذبة، ويجهر برأيه فيها أينما وجدت؛ وكان آخر المؤرخين اليونان والرومان الأقدمين، وكان كل من جاء بعده في العالم اللاتيني مجرد إخباريين.
لكن مكروبيوس Macerobius قد وجد في هذه المدينة نفسها، أي في روما، التي كانت أخلاقها في نظر أميانوس وضيعة متعاظمة فاسدة، مجتمعاً من الناس، يجملون ثراءهم باللطف والكياسة، والثقافة، ومحبة الناس. وكان مكروبيوس هذا في أول الأمر من رجال العلم مولعاً بالكتب وبالحياة الهادئة، لكننا نجده في عام ٣٩٩ يعمل مبعوثاً للإمبراطور في أسبانيا. وقد أصبح تعليقه على كتاب شيشرون المسمى "أحلام سبيو" الوسيلة التي انتقل بها تصوف الأفلاطونية الجديدة وفلسفتها إلى عامة الشعب. وخير كتبه على الإطلاق هو كتاب الساترناليا Saturnalia أو عيد زحل الذي لا يكاد كتاب تاريخي في الخمسة عشر قروناً الأخيرة يخلو من مقتبسات منه. وهو مجموعة من (غرائب الأدب) أورد فيه المؤلف ما حصله من معلومات غير متجانسة في أيام جده ودراسته،