للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت ندوة شبيهة بهذه الندوة هي التي رحبت في عام ٣٩٤ بأن ينضمم إليها شاعر شاءت الأقدار أن يتغنى بمجد روما في ساعة احتضارها. ولد كلوديوس كلوديانوس Claudius Claudianus كما ولد أميانوس، في بلاد الشرق، وكانت لغته الأصلية هي اللغة اليونانية. ولكنه تعلم اللاتينية بلا ريب في حداثة سنه، لأنه كان يكتب بها أسلوب سلس. وبعد أن أقام في روما زمناً قصيراً نزح إلى ميلان، واستطاع أن يجد له مكاناً في أركان حرب استلكو، ثم صار شاعراً غير رسمي لبلاط الإمبراطور هونوريوس، وتزوج سيدة ذات ثراء من أسرة شريفة. وكان كلوديوس يترقب أن تواتيه الفرصة الكبرى ولا يحب أن يموت وهو خامل الذكر. ولذلك كان يمدح استلكو بقصائد عصماء ويهاجم أعداءه بقصائد أخرى حوت أقذع الألفاظ. وعاد إلى روما في عام ٤٠٠ ولقي منها أعظم آيات الشكر والترحاب حين مدح المدينة الخالدة في قصيدة "عن قنصلية استلكو" لا تقل روعة عن قصائد فرجيل نفسه:

أيا قنصل الناس جميعاً، ويا من تضارع الآلهة في المنزلة، وأنت حامي المدينة التي لا تدانيها مدينة يحيط بها الهواء الذي على سطح الأرض، ولا تبلغ مداها العين، ولا يتصور جمالها الخيال، ولا يوفيها صوت مهما علا حقها من الثناء. إنها ترفع هامتها الذهبية تحت ما جاورها من النجوم، وتحاكي بتلالها السبعة السبع السموات العلي. هي أم الجيوش والشرائع التي عنت لجبروتها الأرض بأجمعها وكانت أقدم مهد للعدالة على ظهر الأرض. تلك هي المدينة التي نشأت نشأة متواضعة، ولكنها امتدت إلى القطبين وبسطت سلطانها من مكانها الصغير حتى بلغ مداه منتهى ما يصل إليه ضياء الشمس … فهي دون غيرها من البلاد قد فتحت صدرها لاستقبال من غلبتهم على أمرهم، وعاملت الجنس البشري معاملة الأم الرؤوم لا معاملة الحاكم المتغطرس، فحمته وخلعت عليها اسمها، ودعت من هزمتهم إلى مشاركتها في حقوق المواطنية، وربطت الشعوب البعيدة برباط