حين من الدهر لم يعد فيه كما كان طريق التجارة الرئيسي بين الشرق والغرب، واضمحلت لهذا السبب المدن القائمة على شاطئيه.
ولما أن استنزفت أتلا دماء الشرق بالقدر الذي ارتضاه ولى وجهه نحو الغرب وتذرع لغزوه بحجة غير عادلة. وخلاصة تلك الحجة أن هونوريا Honoria أخت فلنتنيان الثالث كانت قد نفيت إن القسطنطينية بعد أن اعتدى على عفافها أحد رجال التشريفات في قصرها. وتلمست هونوريا أية وسيلة للخلاص من النفي فلم تر أمامها إلا أن تبعث بخاتمها إلى أتلا وتستجيره ليساعدها في محنتها، واختار الملك الداهية، الذي كانت له أساليبه الخاصة في الفكاهة، أن يفسر إرسال الخاتم بأنه عرض منها للزواج بها، فطالب من فوره بهونوريا وبنصف الإمبراطورية الغربية بائنة لها، ولما احتج وزراء فلنتنيان على الطلب أعلن أتلا الحرب. هذا هو السبب الظاهري، أما السبب الحقيقي فهو ان مرسيان Marcian الإمبراطور الجديد في الشرق أبى أن يستمر على أداء الجزية وان فلنتنيان قد حذا حذوه.
وفي عام ٤٥٠ زحف أتلا ومعه نصف مليون رجل على نهر الرين، ونهبوا تريير ومتز Metz وأحرقوها وقتلوا أهلها. فقذف ذلك الرعب في قلوب غالة كلها فقد علموا أن الغزاة ليس على رأسهم جندي متمدين كقيصر، أو مسيحي -ولو كان من أتباع أريوس- مثل ألريك أو جيسريك، بل كان الزاحف عليهم هو الهوني الرهيب، سقوط الله المبعوث لعذاب المسيحيين والوثنيين على السواء لما هنالك من فرق شاسع بين أقوالهم وأعمالهم. وجاء ثيودريك الأول Theadoric I ملك القوط المعمر لينقذ الإمبراطورية من محنتها وانضم إلى الرومان بقيادة إيتيوس، والتقت الجيوش الضخمة في حقول قطلونيا Catalaunia بالقرب من ترويس، ودارت بينها معركة من أشد معارك التاريخ هولاً، جرت