إقناع الفاتح بالارتداد عن روما، وكل ما استطاع أن يحصل عليه منه هو وعده بأن يمتنع عن ذبح السكان وتعذيبهم وإحراق المدينة. وأسلمت المدينة أربعة أيام كاملة للجند ينهبون فيها ويسلبون؛ ونجت الكنائس المسيحية، ولكن كل ما كان باقياً في المعابد من كنوز نقل إلى سفن الوندال، وكان من بين هذه الغنائم المناضد الذهبية، والماثلات ذات الشعب السبع، وغيرها من الآنية المقدسة التي جاء بها تيتوس Titus من هيكل سليمان إلى روما منذ أربعة قرون. ونهب كذلك كل ما كان في القصر الإمبراطوري من المعادن الثمينة، والحلي، والأثاث وكل ما كان باقياً في بيوت الأغنياء من أشياء ذات قيمة واتخذ آلافاً من الأسرى عبيداً، وفرق بين الأزواج وزوجاتهم، وبين الأبناء وآبائهم، وأخذ جيسريك الإمبراطورة يودكسيا وابنيهما معه إلى قرطاجنة؛ وزوج يودوسيا ابنه هونريك Huneric؛ وأرسل الإمبراطورة وبلاسيديا (صغرى ابنتيهما) إلى القسطنطينية استجابة لطلب الإمبراطور ليو الأول. ولم يكن انتهاب روما على هذا النحو في واقع الأمر تخريباً لا يراعي فيه عرف أو قانون، بل كان يتفق مع الشرائع القديمة للحروب. لقد ثأرت قرطاجنة لنفسها من قسوة روما عليها في عام ١٤٦ وكانت في انتقامها هذا رقيقة رحيمة.
وضربت الفوضى وقتئذ أطنابها في إيطاليا. ذلك أن خمسين عاماً من الغزو والقحط والوباء قد تركت آلاف الضياع مخربة، وآلاف الأفدنة بوراً؛ ولم يكن هذا لأن تربتها أنهكت من الاستغلال، بل لأن هذا الأراضي أعوزها الرجال؛ وأخذ القديس أمبروز (حوالي عام ٤٢٠) يرثي لخراب بولونيا Bologna ومودينا Modena، وبياسنزا Piacenza ونقص عامرها، ووصف البابا جلاسيوس Gelassius (حوالي ٤٨٠) أقاليم واسعة في شمالي إيطاليا بأنها تكاد تكون مقفرة من الآدميين.
ونقص سكان روما نفسها من مليون ونصف إلى ثلاثمائة ألف في قرن