واحد (٤٩)؛ واختص الشرق وقتئذ دون غيره بجميع المدائن الكبرى في الإمبراطورية. وهجر الناس الكمبانيا Campagna المحيطة بروما والتي كانت من قبل ملآى بالضياع الخصبة والقصور الصغيرة ولجأوا إلى المدن المسورة ليحتموا فيها من غارات العداء؛ وانكمشت المدن نفسها فلم تعد تزيد مساحة أرضها على أربعين فداناً أو نحوها كي تكفي موارد أهلها تسويرها وحمايتها من العداء؛ وكثيراً ما كانت السوار يبنى على عجل من أنقاض دور التمثيل والباسلقات والهياكل التي كانت من قبل بهجة المدن الإيطالية وسبب رونقها. على أن روما قد بقي فيها قليل من الثروة حتى بعد جيسريك، وانتعشت هي وغيرها من المدن الإيطالية فيما بعد تحت حكم ثيودريك واللمباردين: ولكن الفقر العام الذي حل في عام ٤٧٠ بالحقول والمدن، وبأعضاء مجلس الشيوخ والعامة على السواء، سحق أرواح الشعب الذي كان من قبل عظيماً وأذل نفسه، فملك عليه اليأس والاستسلام قلبه، وتشكك في الآلهة كلهم عدا بريابوس Priapus (١) واستولى عليه وجل كوجل الأطفال جعله يهاب تبعات الحياة، وجُبْنٌ غاضب ثائر يندد بكل استسلام ويفر من جميع الواجبات الحربية، وكان يصحب هذا الانحطاط الاقتصادي والحيوي عفن ينخر سوسه في جميع طبقات الشعب، في أرستقراطية في وسعها أن تخدم لكنها عاجزة عن أن تحكم، وفي رجال الأعمال المنهمكين في مكاسبهم الشخصية انهماكاً يحول بينهم وبين العمل لإنقاذ شبه الجزيرة، وفي قواد ينالون بالرشوة أكثر مما يستطيعون نيله بقوة السلاح، وبيروقراطية متشعبة متخمة خربت رواتبها خزائن الدولة، وفسدت فساداً مستعصياً على العلاج وقصارى القول أن جذع هذه الشجرة العظيمة قد تعفن، وآن لها أن تسقط.
وتوالت على عرش الإمبراطورية في السنين الخيرة من حياتها طائفة من
(١) من آلهة الأقدمين وكان يمثل قوة التناسل عند الذكور ويقصد المؤلف بقوله هذا أن همهم كله كان في إشباع شهواتهم الجنسية. (المترجم)