قساوستها وتلح عليهم إلحاحاً متزايداً أن يظلوا بلا زواج، ولقد ظلت الأملاك توهب للكنائس ويزداد مقدارها زيادة مطردة؛ وكان يحدث من آن إلى آن أن يوصى لقس متزوج، وأن ينتقل المال الموصى له إلى ذريته من بعده. وكان رجال الدين يؤدي في بعض الأحيان إلى الزنى أو غيره من الفضائح، وإلى انحطاط مكانة القس في أعين الشعب، ولهذا فإن مجمعاً مقدساً عقد في عام ٣٨٦ أشار على رجال الدين بالعفة المطلقة، وبعد عام من ذلك الوقت أمر البابا سريسيوس Siricius بتجريد كل قس يتزوج أو يبقى مع زوجته التي تزوج بها من قبل. وأيد جيروم، وأمبروز، وأوغسطين هذا المرسوم بقواتهم الثلاث. وبعد أن لقي مقاومة متفرقة، دامت جيلاً بعد جيل من الزمان، نفذ في الغرب بنجاح قصير الأجل.
وكانت أخطر المشاكل التي لاقتها الكنيسة، والتي تلي في خطورتها مشكلة التوفيق بين مثلها العليا وبقائها، هي الوسيلة التي تمكنها من الحياة مع الدولة ذلك أن قيام نظام كهنوتي إلى جانب موظفي الحكومة كان من شأنه أن يخلق نزاعاً على السلطة لا يسود معه سلم إلا إذا خضعت إحدى الهيئتين للأخرى؛ فأما في الشرق فقد خضعت الكنيسة، وأما في الغرب فقد أخذت تحارب دفاعاً عن استقلالها، ثم أخذت بعدئذ تحارب تأييداً لسيادتها على الدولة. واكن اتحاد الكنيسة والدولة في كلتا الحالتين يتضمن تعديلاً أساسياً في المبادئ الأخلاقية المسيحية. من ذلك أن ترتليان Tertullian وأرجن Origen، ولكتنتيوس Lactantius كانا يُعَلِّمان من قبل أن الحرب غير مشروعة في جميع الأحوال، أما الآن فإن الكنيسة، وقد أصبحت تحت حماية الدولة، قد رضيت بالحروب التي تراها ضرورية لحماية الدولة أو الكنيسة، وكانت الكنيسة نفسها عاجزة