الأمور معترفين بأنهم مارقون من الدين، ويطالبون بالاستشهاد. وكانوا يعترضون السابلة، ويطلبون إليهم أن يقتلوهم، ولما أن تعب أعداؤهم أنفسهم من إجابتهم إلى ما يريدون أخذوا يطلبون الموت بالقفز في النيران المتقدة أو بإلقاء أنفسهم من فوق الأجراف العالية، أو بالمشي فوق ماء البحر (٢). وحارب أوغسطين الدوناتيين بكل ما كان لديه من الوسائل، وبدا في وقت من الأوقات أنه قد تغلب عليهم، ولكن الدوناتيين عادوا إلى الظهور أكثر مما كانوا عدداً حين جاء الوندال إلى أفريقية، وسروا أعظم السرور لطرد قساوسة الدين القويم، وبقى الحقد الطافي يأكل الصدور، وينتقل من الأبناء إلى الأباء، وهو أشد ما يكون قوة، حتى جاء العرب إلى أفريقية في عام ٦٧٠ فلم يجدوا في البلاد قوة متحدة تقف في وجههم.
وكان بلاجيوس Pelagius في هذه الأثناء يثير قارات ثلاثاً بهجومه على عقيدة الخطيئة الأولى، كما كان نسطوريوس يطلب الاستشهاد بما يجهر به من شكوك في أم المسيح، وكان نسطوريوس في بدء حياته من تلاميذ ثيودور المبسوستيائي Theodore Of Mopsuestia (٣٥٠؟ -٤٢٨؟) الذي كاد أن يبتدع النقد الأعلى للكتاب المقدس. وكان من أقوال ثيودور هذا أن سفر أيوب إن هو إلا قصيدة مأخوذة من مصادر وثنية، وأن نشيد الأناشيد إن هو إلا إحدى أغاني الفرس ذات معنى شهواني صريح، وأن الكثير من نبوءات العهد القديم التي يزعم الزاعمون أنها تشير إلى يسوع، لا تشير إلا إلى حوادث وقعت قبل المسيحية؛ وأن مريم ليست أم الله، بل هي أم الطبيعة البشرية في يسوع (٣). ورفع نسطوريوس نفسه إلى كرسي الأساقفة في القسطنطينية (٤٢٨)، والتفت حوله الجموع لفصاحته وذلاقة لسانه، ولكنه خلق له أعداء بتعسفه في عقائده، وأتاح الفرصة لهؤلاء الأعداء بقبوله فكرة ثيودور غير الكريمة في مريم. وكانت كثرة المسيحيين تقول: إذا كان المسيح إلهاً، كانت مريم قد حملت في الله Theotokos