حوكم أمام مكسموس الإمبراطور المغتصب في تريير، وكان اللذان اتهماه اثنين من الأساقفة، وأدين الرجل وحرق هو وعدد من رفاقه في عام ٣٨٥ بالرغم من احتجاج القديسين أمبروز ومارتن.
وبينا كانت الكنيسة تواجه كل أولئك المهاجمين، إذ وجدت نفسها يكاد يغمرها سيل المارقين الدونانيين في أفريقية، وتفصيل ذلك أن دوناتوس Donatus، أسقف قرطاجنة (٣١٥)، كان قد أنكر ما العشاء الرباني الذي يقدمه القساوسة من أثر في الخطيئة، ولم تشأ الكنيسة أن تنتزع من رجالها هذه الميزة الكبيرة فهدتها حكمتها إلى عدم الأخذ بهذه الفكرة. ولكن هذه العقيدة المارقة أخذت تنتشر على الرغم من هذا انتشاراً سريعاً في شمال أفريقية؛ وتحمس لها الفقراء من الأهليين، وستحال هذا الانحراف الديني إلى ثورة اجتماعية، وغضب الأباطرة أشد الغضب من هذه الحركة، وأصدروا المراسيم المتعاقبة ضد من يستمسكون بها، وفرضوا عليهم الغرامات الفادحة، وصادروا أملاكهم، وحرموا على الدوناتيين حق التصرف فيما يمتلكون بالبيع أو الشراء أو الوصية، وأخرجهم جنود الأباطرة من كنائسهم بالقوة، وأعطيت هذه الكنائس للقساوسة أتباع الدين القويم، وسرعان ما تألفت عصابات مسيحية -شيوعية في آن واحد- وسميت بأسم الجوابين Circumcelliones؛ وأخذت تندد بالفقر والاسترقاق، فألغت الديون، وحررت الرقيق، وحاولت أن تعيد المساواة المزعومة التي كان يتمتع بها الإنسان البدائي. وكانوا إذا قابلوا عربة يجرها عبيد، أركبوا العبيد العربة، وأرغموا سيدهن على أن يجرها خلفه، وكانوا يقنعون عادة بالسرقة وقطع الطريق على المارة، ولكنهم كانوا في بعض الأحيان يغضبون من المقاومة، فيعمون أعين أتباع الدين القويم أو أعين الأغنياء بمسحها بالجير، أو يضربونهم بالعصى الغليظة حتى يموتون' وكانوا إذا واجهوا الموت ابتهجوا به لأنه يضمن لهم الجنة. واستبد بهم التعصب الديني آخر الأمر، فكانوا يسلمون أنفسهم إلى ولاة