الحجارة"؛ ولعل بعض قرائها قد أحسو في هذه النصائح بلوعة سقيمة في رجل يبدو أنه لم يسلم بعد من حرارة الشهوات. ولما ماتت بليسلا Blecilla الفتاة الزاهدة بعد بضعة أشهر من ذلك الوقت (٣٨٤)، أخذ الكثيرون ينددون بالزهد الصارم الذي علمها إياه جيروم، وأشار بعض الوثنيين بإلقائه هو وجميع رهبان روما في نهر التيبر. لكن جيروم لم يندم على ما فعل، ووجه إلى أمها الثكلى، التي كاد الحزن أن يذهب بعقلها، رسالة تعزية وتقريع. ولما توفي البابا دماسوس في ذلك العام نفسه لم يجدد خلفه تعيين جيروم أميناً لسره، فخرج من روما في عام ٣٨٥ ولم يعد إليها أبداً، وصحب معه بولا Paula أم بليسلا وأوستكيوم أختها. وأنشأ في بيت لحم ديراً للرهبان صار هو رئيسه، وآخر للراهبات تولت رياسته بولا ومن بعدها أوستكيوم، كما أنشأ كنيسة ليتعبد فيها الرهبان والراهبات مجتمعين، ومضيفة لحجاج الأراضي المقدسة.
واتخذ له خلوة في كهف جمع فيها كتبه وأوراقه، وقضى وقته كله في الدرس والكتابة، وتعليم الناس الأسرار القدسية، وأقام فيها الأربعة والثلاثين عاماً الباقية من حياته. وكان يجادل بقلمه كريسستوم، وأمبروز، وبلاجيوس، وأوغسطين. وكتب نحو خمسين كتاباً في المشكلات الدينية، وفي تفسير الكتاب المقدس، تمتاز بقوة العقيدة التي لا تقبل جدلاً، وكان أعداؤه وأصدقاؤه على السواء يحرصون على قراءة كتبه. وقد أنشأ مدرسة في بيت لحم، وكان هو نفسه يعلم فيها الأطفال من غير أجر وبتواضع منقطع النظير كثيراً من الموضوعات المختلفة، منها اللغة اللاتينية واليونانية. والآن وقد أصبح قديساً ثابت العقيدة أحس بأن لا حرج عليه في أن يقرأ مرة أخرى الكتب القديمة التي حرمها على نفسه في شبابه. وواصل دراسة اللغة العبرية، وكان قد بدأ يدرسها حين أقام في بلاد الشرق أول مرة، وأخرج بعد ثمانية عشر عاماً من الجلد والدرس تلك الترجمة اللاتينية العظيمة الرائعة للكتاب المقدس، وهي الترجمة اللاتينية الشائعة