بالرهبان النساك الفرادي والمجتمعين في الأديرة يعيشون في عزلة كما كان يعيش أنطونيوس، أو جماعات كما كان يعيش باخوم في تابن Tabenne. وأنشأت الأديرة للرجال والنساء على طول ضفتي النيل، وكان بعضها يحتوي نحو ثلاثمائة من الرهبان والراهبات. وكان أنطونيوس (٢٥١ - ٣٥٦) أشهر النساك الفرادي، وقد أخذ ينتقل من عزلة إلى عزلة حتى استقر به المقام على جبل القلزم القريب من شاطئ البحر الأحمر. وعرف مكانه المعجبون به فحذوا حذوه في تعبده ونسكه، وبنوا صوامعهم في أقرب مكان منه سمح به، حتى امتلأت الصحراء قبل موته بأبنائه الروحيين. وقلما كان يغتسل، وطالت حياته حتى بلغ مائة وخمساً من السنين. ورفض دعوة وجهها إليه قسطنطين، ولكنه سافر إلى الإسكندرية في سن التسعين ليؤيد أثناسيوس ضد أتباع أريوس. وكان يليه في شهرته باخوم الذي أنشأ في عام ٣٢٥ تسعة أديرة للرجال وديراً واحداً للنساء. وكان سبعة آلاف من أتباعه الرهبان يجتمعون ليحتفلوا بيوم من الأيام المقدسة، وكان أولئك الرهبان المجتمعون يعملون ويصلون، ويركبون القوارب في النيل من حين إلى حين ليذهبوا إلى الإسكندرية حيث يبيعون ما لديهم من البضائع ويشترون حاجياتهم ويشتركون في المعارك الكنسية-السياسية.
ونشأت بين النساك الفرادى منافسة قوية في بطولة النسك يتحدث عنها دوشين Abbe Duchesne بقوله إن مكاريوس الإسكندري "لم يكن يسمع بعمل من أعمال الزهد إلا حاول أن يأتي بأعظم منه"، فإذا امتنع غيره من الرهبان عن أكل الطعام المطبوخ في الصوم الكبير امتنع هو عن أكل سبع سنين؛ وإذا عاقب بعضهم أنفسهم بالامتناع عن النوم شوهد مكاريوس وهو "يبذل جهد المستميت لكي يظل مستيقظاً عشرين ليلة متتابعة"، وحدث مرة في صوم كبير أن يظل واقفاً طوال هذا الصوم ليلاً ونهاراً لا يذوق الطعام إلا مرة واحدة في الأسبوع، ولم يكن طعامه هذا أكثر من بعض أوراق الكرنب،