أو دعوة، ويعبرون النيل على ظهور التماسيح. وقد أصبحت مخلفات النساك أثمن ما تمتلكه الكنائس المسيحية، ولا تزال مدخرة فيها حتى اليوم.
وكان رئيس الدير لا يطلب إلى الرهبان أن يطيعوه طاعة عمياء، ويمتحن الرهبان الجدد بأوامر مستحيلة التنفيذ يلقيها عليهم. وتقول إحدى القصص إن واحداً من أولئك الرؤساء أمر راهباً جديداً أن يقفز في نار مضطرمة فصدع الراهب الجديد بالأمر؛ فانشقت النار حتى خرج منها بسلام. وأمر راهب جديد آخر أن يغرس عصا رئيسه في الأرض ويسقيها حتى تخرج أزهاراً؛ فلبث الراهب عدة سنين يذهب إلى نهر النيل على بُعد ميلين من الدير يحمل منه الماء ليصبه على العصا، حتى رحمه الله في السنة الثالثة فأزهرت (٣٨). ويقول جيروم (٣٩) إن الرهبان كانوا يؤمرون بالعمل "لئلا تضلهم الأوهام الخطرة"؛ فمنهم من كان يحرث الأرض، ومنهم من كان يعتني بالحدائق، أو ينسج الحصر أو السلال، أو يصنع أحذية من الخشب. أو ينسخ المخطوطات. وقد حفظت لنا أقلامهم كثيراً من الكتب القديمة. على أن كثيرين من الرهبان المصريين كانوا أميين يحتقرون العلوم الدنيوية ويرون أنها غرور باطل (٤٠). ومنهم من كان يرى أن النظافة لا تتفق مع الإيمان؛ وقد أبت العذراء سلفيا أن تغسل أي جزء من جسدها عدا أصابعها، وكان في أحد الأديرة النسائية ١٣٠ راهبة لم تستحم واحدة منهن قط أو تغسل قدميها. لكن الرهبان أنسوا إلى الماء حوالي آخر القرن الرابع، وسخر الأب اسكندر من هذا الانحطاط فأخذ يحن إلى تلك الأيام التي لم يكن فيها الرهبان "يغسلون وجوههم قط"(٤١).
وكان الشرق الأدنى ينافس مصر في عدد رهبانها وراهباتها وعجائب فعالهم فكانت إنطاكية وبيت المقدس خليتين مليئتين بالصوامع وبالرهبان والراهبات، وكانت صحراء سوريا غاصة بالنساك، منهم من كان يشد نفسه بالسلاسل إلى صخرة ثابتة لا تتحرك كما يفعل فقراء الهنود، ومنهم من كان يحتقر هذا النوع المستقر