للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو فحدثيني عنه. فصاحت كلها بصوت عال: لقد خلقتنا … وإن الذين لا يجدون السرور في كل شي خلقته لقوم فقدوا عقولهم … وفي رضاك يا إلهي عنا سلامنا (١).

واعترافات أوغسطين شعر في صورة نثر؛ أما كتبه الأخر"مدينة الله" (٤١٣ - ٤٢٦) فهو فلسفة في صورة تاريخ، وان الباعث له على كتابه أنه لما ترامت إلى أفريقية أنباء نهب ألريك لروما، وما أعقبه من فرار آلاف اللاجئين ثارت نفس أوغسطين، كما ثارت نفوس جيروم وغيره، لهذه الفاجعة التي بدت لهم كلهم عملاً شيطانياً لا يفعله من أوتى ذرة ن العقل. وتساءل الناس قائلين: لم يترك الإله الخير الرحيم تلك المدينة التي أبدع الناس جمالها وأنشئوا قوائمها وظلوا يجلونها القرون الطوال، والتي أضحت الآن حصن المسيحية الحصين، لم يتركها الإله إلى البرابرة يعيثون فيها فساداً؟ وقال الوثنيون في كل مكان إن المسيحية هي سبب ما حل بالمدينة من دمار: ذلك أن الآلهة القديمة قد تخلت عن حماية روما بسبب ما أصاب تلك الآلهة من نهب وثل لعروشها، وتحريم لعبادتها. وكانت هذه المدينة قد نمت وازدهرت وعمها الرخاء مدى ألف عام بفضل هداية الآلهة. وتزعزع إيمان كثيرين من المسيحيين بسبب هذه الكارثة. وشعر أوغسطين في قرارة نفسه بهذا التحدي، وأدرك أن ذلك الصرح الديني العظيم الذي شاده لنفسه على مر السنين، يوشك أن ينهار إذا لم يعمل شيئاً يخفف من هذا الذعر المستولي على النفوس. ولذا قرر أن يبذل كل ما وهب من عبقرية لإقناع العالم الروماني أن هذه الكارثة وأمثالها لاتغيب المسيحية ولا تزرى بفضلها. وظل ثلاثة عشر عاماً يواصل الليل بالنهار في تأليف هذا الكتاب بالإضافة إلى ما كان يقوم به من واجبات وما يحيط به من مشاغل تشتت افكاره. وكان ينشره أجزاء متقطعة في فترات متباعدة حتى نسى وسطه


(١) انظر قول دانتي في الجنة Peradiso (٨٥: ٣) إرادته هي سلامنا.