أوله ولم يدر ما سيكون أخره. ومن أجل هذا كان لابد أن تصبح صفحاته البالغة ١٢٠٠ صفحة سلسلة من المقالات المهوشة في جميع الموضوعات من الخطيئة الأولى إلى يوم الحساب. ولم يرفعه من الفوضى السارية فيه إلى أعلى مكانة في أدب الفلسفة المسيحية إلا عمق تفكيره وبراعة أسلوبه.
وكان جواب أوغسطين الأول عما يدور بخلد الناس من أسئلة محيرة أن ما حل بروما لم يكن عقاباً لها لاعتناقها الدين الجديد بل كان جزاء لها على ما تنفك ترتكبه من آثام. ثم أخذ يصف ما يمثل على المسرح الوثني من مفاسد، ونقل عن سالست وشيشرون ما قالاه عن مفاسد السياسة الرومانية وقال إن الرومان كانوا في وقت من الأوقات أمة من الرواقيين يبعث فيها القوة رجال من أمثال كاتو وسبيو، وكادت أن تخلق القانون خلقاً، ونشرت لواء السلم والنظام على نصف العالم، وفي هذه الأيام القديمة أيام النبل والبطولة تجلى الله عليها بوجهه، وأشرق عليها بنوره، ولكن بذور الفساد الخلقى كانت كامنة في دين روما القديم نفسه، كامنة في ثنايا تلك الآلهة التي كانت تشجع الغرائز الجنسية بدل أن تقاومها، تشجع الإله فرجنيوس على أن يحل حزام العذراء، وسبجوس Subigus على أن يضعها تحت الرجل وبرما Perma على أن تتكئ عليها … وتشجع بريابوس Priapus الذي أُمرت العروس الجديدة أن تقوم وتجلس فوق عضوه الضخم الحيواني (٨٩). لقد عوقبت روما، لأنها كانت تعبد أمثال تلك الآلهة لا لأنها غفلت عن عبادتها. ولقد أبقى البرابرة على الكنائس المسيحية وعلى الذين لجأوا إليها، ولكنهم لم يرحموا المعابد الوثنية، فكيف إذن يكون الغزاة صوت عذاب في أيدي الآلهة الوثنية؟.
وكان رد أوغسطين الثاني ضرباً من فلسفة التاريخ -فقد كان محاولة منه لتفسير الحوادث التي وقعت في أزمنة التاريخ المدون على أساس عام وواحد. فقد استمد أوغسطين من فكرة أفلاطون عن الدولة المثالية القائمة