بمجامع القلوب ولعل سر نفوذه وسلطانه على الأجيال التالية انه ألف بين العناصر الفلسفية والصوفية في الديانة المسيحية، وبعث فيها قوة لم تكن لها من قبل، فمهد بذلك الطريق لتومس أكوناس ولنومس أكمبيس Thomas (Kempis أيضاً.
وكانت عباراته القوية العاطفية التي لا يلجأ بها إلى العقل بل إلى الشعور، إيذاناً بانتهاء الأدب القديم، وانتصار أدب العصور الوسطى. وإذا شئنا أن نفهم العصور الوسطى على حقيقتها وجب علينا أن ننسى نزعتنا العقلية الحديثة، وثقتنا التي نفخر بها بالعقل والعلم، ودأبنا في البحث عن الثروة والسلطان والجنة الرضية، ثم يجب علينا بعدئذ أن ندرك مزاج أولئك الرجال الذين كانت آمالهم في هذه المطالب، والذين وقفوا عند نهاية ألف عام من أعوام النزعة العقلية ووجدوا أن جميع ما كانوا يحلمون به من قيام دولة فاضلة خالية من جميع الآلام والآثام قد حطمنها الحرب والفقر والبربرية، فأخذوا يبحثون عن عزاء لهم فيما يؤملونه من سعادة في الدار الآخرة، ووجدوا لهم سلوى وراحة وإلهاماً في قصة المسيح وفي شخصيته، فألقوا بأنفسهم تحت رحمة الله ورضوانه، وعاشوا حياتهم يفكرون في وجوده السرمدي، وفي حسابه الذي لا مفر منه، وفي موت ابنه الذي كفر به عن خطاياهم. ويكشف أوغسطين أكثر من غيره، حتى في ايام سيماخوس، وكلوديان، وأوسُنيوس عن هذه النزعة ويعبر عنها أحسن تعبير. وبهذا كان أقوى وأصدق وأفصح صوت ارتفع في المسيحية في عصر الإيمان.