الذي لابد منه في دين الشعب. لقد قاومت في بادئ الأمر (١٠٣)، عبادة القديسين ومخلفاتهم، ثم استعانت بعدئذ بها، ثم أساءت استخدامها. وعارضت في عبادة التماثيل والصور، وحذرت المؤمنين من تعظيمها إلا إذا فعلت ذلك بوصفها رموزاً (١٠٤) لا أكثر؛ ولكن قوة الشعور العام تغلبت على هذا التحذير، وأدت إلى ذلك الإسراف الذي أثار مشاعر محطمي الصور والتماثيل الدينية البيزنطيين. كذلك قاومت الكنيسة السحر والتنجيم، والتنبؤ بالغيب، ولكن آداب العصور الوسطى، كالآداب القديمة؛ ملآى بهذا كله؛ وما لبث الشعب والقساوسة أن استخدموا علامة الصليب على أنها رقبة سحرية تفيد في طرد الشياطين أو بعدها. وكانت التعاويذ تقرأ على رأس طالب التعميد، كما كان يطلب إليه أن يغمره الماء وهو عار من جميع ملابسه حتى لا يختبئ شيطان في ثوب يلبسه أو حلية يزين بها (١٠٥). وأضحى العلاج بالأحلام الذي كان يسعى إليه من قبل في هيكل إيسكولابيوس Aesculapius موفوراً في محراب القديسين كزمس Cosmos ودميان في روما، ثم اصبح من المستطاع أن يحصل عليه في مائة ضريح أخرى، ولم يكن رجال الدين هم الذين أفسدوا الشعب في هذه الأمور، بل أن الشعب هو الذي أقنع رجال الدين بما يريد. ذلك أن روح الرجل الساذج لا تتأثر إلا عن طريق الحواس والخيال، والحفلات والمعجزات، والأساطير، والخوف، والأمل؛ فإذا خلا الدين من هذا كله رفضه، أو عدله حتى يدخله فيه. ولقد كان من الطبيعي أن يلجأ الشعب الخائف الذي يحيط به الحرب والخراب، والفقر والمرض، إلى الأضرحة والكنائس الصغرى والكبرى، وإلى الأضواء الخفية، ونغمات الأجراس المطرية، وإلى المواكب، والأعياد والطقوس الممتعة ليجد فيها سلواه.
واستطاعت الكنيسة بالتجائها إلى هذه الضرورات الشعبية أن تغرس في قلوب الناس مبادئ أخلاقية جديدة. فقد حاول أمبروز، وهو الإداري الروماني الحازم في جميع مراحل حياته، أن يصوغ المبادئ الأخلاقية الرومانية