في ألفاظ وعبارات وواقية، وبَدَّل عبارات شيشرون لكي توافق حاجاته، وكانت أخلاق عظماء المسيحيين في العصور الوسطى، من أوغسطين إلى سفنرولا، وفضيلتا ضبط النفس والتمسك التام بأهداب الفضيلة وهما من المثل العليا للرواقية، كانت هذه هي التي شكلت النمط المسيحي للأخلاق، لكن أخلاق الرجولة لم تكن هي المثل الأعلى عند عامة الشعب؛ لقد طال عهد الشعب بالرواقيين، ورأوا فضائل الرجولة تصبغ نصف العالم بالدماء، وتاقت نفوسهم إلى أساليب أرق وأهدأ من الأساليب السابقة، يُستطاع بفضلها إقناع الناس بأن يعيشوا مستقرين مسالمين؛ ولذلك أخذ معلمو الجنس البشري ينشرون على الناس لأول مرة في تاريخ أوربا مبادئ الرأفة والحنان، والطاعة، والخشوع، والصبر، والرحمة، والطهارة، والعفة، والرقة، وكلها فضائل لعلها مستمدة من الأصول الاجتماعية الدنيا للكنيسة المسيحية ومن كثرة انتشارها بين النساء، ولكنها خليقة إلى أعظم حد بأن تعيد النظام إلى شعب فقد قوته المعنوية، وأن تروض أخلاق البرابرة النهابين، وأن تهدئ من عنف العالم المتداعي الآخذ في الانهيار.
وكان أعظم إصلاح قامت به الكنيسة هو الخاص بالمسائل الجنسية بين الرجال والنساء. ذلك أن الوثنية قد أجازت الدعارة على أنها وسيلة لتخفيف مشاق وحدة الزواج، فجاءت الكنيسة تشن على الدعارة حملة شعواء لا هوادة فيها، وتطلب إلى الرجل والمرأة أن يلتزما في زواجهما مستوى واحد من الوقار لا تفريق فيه بينهما. نعم إنها لم تنجح النجاح كله، فقد رفعت من المستوى الأخلاقي في البيت، ولكن البغاء ظل على حاله، وإن اندفع إلى الخفاء وإلى الدرك الأسفل من الانحطاط. ولعل الأخلاق الجديدة قد أرادت أن تقاوم الغريزة الجنسية التي تحللت من جميع القيود، فتعالت في العفة حتى جعلتها شغلها الشاغل، وجعلت الزواج والأبوة أقل منزلة من العزوبة والبكورية مدى الحياة، ورفعت هذه العزوبة أو البكورية إلى مقام المثل العليا، ومضى بعض الوقت قبل أن يدرك آباء الكنيسة أن لا بقاء لأي