وإذ كنا لا نحب أن نعطى القارئ صورة غير صادقة لسودونيوس، فلابد لنا أن نضيف هنا أنه كان مسيحياً صالحاً، وأسقفاً شجاعاً. وقد وجد الرجل نفسه، على حين غفلة، وعلى كره منه، يندفع من منزلته المدنية العلمانية إلى أسقفية كليرمنت. وكان على الأسقف في تلك الأيام أن يكون حاكماً إدارياً وهاداً روحياً في آن واحد. وقد كان ذوو التجارب والثراء أمثال أمبروز وسيدونيوس يمتازون بمؤهلات أقوى أثراً وأعظم نفعاً في مناصبهم الجديدة من علوم الدين مهما تعمقوا فيها. وإذا كان سيدونيوس لم يُحصَل من هذه العلوم إلا القليل، فإنه لم يكن يصبّ اللعنات الدينية إلا على القليلين، وكان بدل أن يشغل نفسه بهذا يعطى صحافة الفضية للفقراء، ويغفر ذنوب الناس بسرعة روّعت الكثيرين من رجال الدين. ونتبين من إحدى رسائله أنه كان في بعض الأحيان يقطع صلوات المصلين في كنيسته حين يتناولوا بعض المرطبات (٢٣). ثم حطمت الحقيقة المرة هذه الحياة الممتعة حين قرر أوريك Euric ملك القوط الغربيين أن يضم أوفرني Auvergne إلى البلاد الخاضعة لحكمه. وظل القوط يحاصرون كليرمنت عاصمة هذه الولاية كلما حل فصل الصيف أربع سنين متوالية. وكان سيدونيوس يقاتلهم بالسياسة وبالصلوات، ولكنه عجز عن صدهم. ولما سقطت المدينة أخر الأمر، أسر، وسجن في حصن بالقرب من كاركسن Carcassonne (٤٧٥) ؛ ثم أطلق سراحه بعد علمين وأعيد إلى كرسيه. ولسنا نعرف كم من الزمن عاش بعدئذ، ولكنا نعلم أنه قبل أن يتجاوز الخامسة والأربعين من عمره كان يتمنى أن "يتخلص من آلام الحياة الحضرة ومتاعبها بأن يعجل الله بمنيته"(٣٢) ذلك أنه كان قد فقد إيمانه بالإمبراطورية الرومانية، وبنى كل آماله في تقدم الحضارة على الكنيسة الرومانية. وقد غفرت له الكنيسة ما في شعره من نزعة وثنية وضمته إلى جماعة القديسين.