للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا القليل النادر مكتبة عامرة بالكتب، فيها كتب الوثنين القديمة وبعض النصوص المسيحية الجليلة (٣١). وكان بعض أصدقاء سودونيوس نفسه من هواة جمع الكتب ولا ريب في أنه كان في غالة كما كان في روما كثير من الأثرياء الذين يقدرون تجليد الكتب الجميلة أكثر مما يقدرون محتوياتها وحدها، ويقنعون بالثقافة التي يستطيعون أن يحصلوا عليها من جلود كتبهم.

ويضرب لنا سيدونيوس أحسن مثل لهذه الحياة اللطيفة -حياة حسن الضيافة والمجاملة، والبهجة، والآداب الراقية، وما فيها من شعر جيد الصقل، ونثر حلو النغم. ولما ذهب أفنوس إلى روما ليجلس على عرش الإمبراطورية، صحبه سودنيوس، واختير ليلقي بين يديه خطاب الترحيب (٤٥٦)، ثم عاد إلى غالة بعد سنة من ذلك الوقت مع أفنوس المخلوع؛ ولكننا نجده في روما مرة أخرى في عام ٤٦٨ يشغل منصب محافظ المدينة حين كانت الدولة في آخر مرحلة من مراحل الانهيار. وكان الرجل يسير مطمئناً وسط هذه الفوضى، فاستطاع بذلك أن يصف المجتمعات العليا في غالة وروما في رسائل من طراز رسائل بلني وسيماخوس، ولا تقل عن رسائلهما مباهاة وظرفاً.

ولم يكن الأدب في ذلك الوقت يجد ما يتحدث عنه إلا القليل، وقد بُذل في هذا القليل من العناية ما أبقى على شكل هذا الأدب وسحر ألفاظه بعد أن ذهب كل ما عداهما، وخير ما يمكن أن يقال عن هذه الرسائل أنها حوت ما في طبيعة الرجل المهذب المتعلم من تسامح وظرف وتفاهم وتعاطف. وهي الصفات التي أزدان بها أدب فرنسا منذ تلك الأيام التي لم فيها أدباً فرنسياً. وقد جاء سيدونيس إلى غالة بما يمتاز به الرومان من حب الحديث الممتع اللطيف الذي بدأ بشيشرون وسنكا وانتقل عن طريق بلني وسيماخوس، ومكروبيوس، وسيدونيوس إلى مونتاني ومنتسكيو، وفلتير، ورينان، وسانت بيف، وأناتول فرانس، وهؤلاء يكونون سلسلة متصلة الحلقات، ومن نعم الله أنهم