للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القتل، والنهب، والاغتصاب، ولكن التاريخ، بما يلقيه من ضوء ساطع على بعض الحوادث دون بعضها الآخر، يخطئ في تصوير الفرنجة إذ يدخل في روعنا أنهم أقوام محاربون لا غير. والحق أن فتوحهم ووقائعهم الحربية لم تكن أكثر من فتوحنا نحن ووقائعنا، كما كانت أقل منها أتساعاً وتخريباً. ويسدل من شرائعهم على أنهم كانوا يشتغلون بالزراعة والصناعات اليدوية، وانهم أنشئوا في شمالي غالة الشرقي مجتمعاً ريفياً مزدهراً يتمتع عادة بالسلام.

وقننت الشرائع السالية في بداية القرن السادس، وأكبر الظن أن ذلك كان في نفس الجيل الذي شهد آخر مرحلة من مراحل تطور قوانين جستنيان الرومانية. ويقولون إن "أربعة من الزعماء الموقرين" هم الذين كتبوه، وإن ثلاثة جمعيات شعبية متتالية بحثته وأقرته (٣٧). وكانت الطريقة المتبعة في محاكم المتهمين هي طريقة التحكيم الإلهي والاستعانة بالشهود الذين يقسمون أن المتهم برئ. فإذا تعهد عدد كاف من الشهود الصالحين لهذه الشهادة أن المدعي عليه طيب الخلق، برئ من أية تهمة لا وجد دليل قاطع على أنه ارتكبها. وكان عدد الشهود يختلف تبعاً لجسامة الجرم المنسوب إلى المتهم: فسبعة وسبعون شاهداً يكفون لتبرئة المتهم بالقتل، ولكن لما أن اتهمت إحدى ملكات فرنسا في عفتها تطلب الأمر ثلاثمائة من النبلاء يشهدون بصحة انتساب ابنها إلى أبيه (٣٨). فإذا ظل الأمر بعد هذا موضعاً للشك اتبع قانون التحكيم الإلهي. من ذلك أن المتهم كانت تربط يداه وقدماه ويلقى في النهر، فإذا غطس كان بريئاً، وإذا طفا كان مذنباً (وذلك لأن الماء كانت تقرأ عليه رقى خاصة في حفل ديني تجعله يرفض الشخص المذنب) (٣٩)؛ أو كان يطلب إلى المتهم أن يمشي حافي القدمين في نار متقدة أو فوق حديد يحمى حتى يحمر من الحرارة؛ أو يمسك بيده قطعة من الحديد محمية إلى هذه الدرجة ويظل قابضاً عليها مدة محددة من الزمن؛ أو يضع ذراعه عارية في وعاء به ماء يغلي ويخرج شيئاً من قاع الإناء؛ أو يقف