المدعي والمدعي عليه ويمدان ذراعيهما على هيئة صليب ويظلان كذلك حتى تثبت التهمة على أحدهما إذا أنزل ذراعه من شدة التعب؛ أو يأخذ المتهم ماء القربان المقدس، فإذا كان مذنباً فلا بد أن تحل به نقمة الله. وكانت المبارزة تفصل أحياناً في النزاعيين حرين إذا بقى بعد إيراد الأدلة القانونية مجال للشك المعقول. وتدل الأبستاق على أن التحكيم الإلهي بالماء المغلي كان من الوسائل التي يستخدمها الفرس الأقدمون. وقد ورد في قوانين مانو Mnau (قبل عام ١٠٠ م) شئ من التحكيم الإلهي عند الهنود بالإغراق في الماء، كما ورد ذكر التحكيم الإلهي بطريق النار أو الحديد المحمى في مسرحية أنتيجون لسفكليز (٤٠). أما الساميون فكانوا يرون أن هذا التحكيم يأباه الدين ولذلك كانوا يرفضونه، وكان الرومان يرون أنه خرافة، أما الألمان فقد ساروا فيه إلى آخر مرحله؛ وقبلته الكنيسة المسيحية وهي كارهة، وأحاطته بمراسيم دينية، وأيمان مغلظة.
والمحاكمة بالاقتتال قديمة قدم التحكيم الإلهي. ويصفه ساكسو جراماتيكوس Aaxo Grammaticus، بأنه كان إجبارياً في الدنمرقة في القرن الأول الميلادي؛ وتدل شرائع الإنكليز؛ والسكسون، والفرنجة، والبرغنديين، واللمبارد على أنه كان شائعاً بينهم، وقد وجده القديس بتريك في ايرلندة، ولما أن شكا مسيحي روماني إلى جندوباد Oondobab ملك برغانديا وقال له أن هذا التحكيم لا يحكم على الجريمة بل على المهارة، أجابه الملك بقوله:"أليس حقاً أن نتائج الحروب المبارزات إنما تتقرر بقضاء الله، وأن العناية الإلهية تؤيد بنصرها القضية العادلة؟ "(٤١). وكان كل ما حدث في هذا الأمر بعد ا، اعتنق البرابرة الدين المسيحي أن تبدل اسم الإله الذي يحكمونه فيما بينهم. وليس في وسعنا أن نحكم على هذه العادات أو نفهمها إلا إذا وضعنا أنفسنا في مكان قوم يؤمنون إيماناً لا يقبل الجدل بأن الله هو الذي يسبب الحوادث جميعها، وأنه لا يرضى عن أي حكم غير عادل. وأمام هذه التجربة المرعبة كان المدعون الذين لا يثقون