من عدالة قضاياهم أو من قوة بيناتهم يترددون كثيراً قبل أن يشغلوا المحاكم بقضاياهم وشكايتهم؛ كما أن المتهمين المجرمين كانوا يتهربون من التحكيم الإلهي ويعرضون أن يؤدوا بدلاً منه تعويضاً للمدعين.
ذلك أنه كان لكل جريمة ثمنها، وكان في وسع المتهم عادة أن يفتدي نفسه بأن يؤدي التعويض المقرر للجريمة المتهم بها على أن يكون ثلثه للحكومة، ثلثه لمن وقعت عليه الجريمة أو لأسرته، وكان المبلغ المفروض يختلف باختلاف منزلة من وقعت علية الجريمة، ولهذا كان المجرم الملم بالشئون الاقتصادية يدخل في حسابه عدداً كبيراً من الحقائق. فإذا لطم رجل يد امرأة في غير حياء فرضت عليه غرامة مقدارها خمسة عشر ديناراً (١)(نحو دولارين أمريكيين وربع دولار)؛ وإذا لطم عضدها غرم خمسة وثلاثين ديناراً (٢٥ ر ٥ دولارات)، فإذا مس صدرها بغير رضاها غرم خمسة وأربعين ديناراً (٧٥ ر ٦ دولارات)(٤٢). ولم يكن هذا التقدير باهظاً إذا قيس بغيره من الغرامات: فقد كان جزاء اعتداء روماني على فرنجي أو سرقته بإكراه غرامة قدرها ٢٥٠٠ دينار (٣٧٥ دولار)؛ وتخفض هذه الغرامة إلى ١٤٠٠ ديناراً إذا اعتدى فرنجي على روماني أو سرقه؛ إذا قتل فرنجي رومانياً غرم القاتل ٨٠٠٠ دينار تخفيض إلى أربعة آلاف (٤٣) إذا كان المقتول رومانياً؛ إلى هذه الدرجة انحطت منزلة الروماني العظيم في أعين الفاتحين، وإذا لم ينل المعتدي عليه أو أقاربه للتعويض الكافي، كان من حقهم أن ينتقموا لأنفسهم من المعتدي؛ وبهذه الطريقة كانت سلسلة الانتقام وسفك الدماء تدوم بين الخصوم عدة أجيال، وكانت الغرامات والبارزات القضائية خير الوسائل التي
(١) يقدر القانون السالي (في المادة الرابعة عشرة) الدينار بجزء من أربعين جزءاً من السوليدوس Solidus الذي كان وقتئذ يحتوي على سدس أوقية من الذهب أو ٥،٨٣ من دولارات الولايات المتحدة في عام ١٩٤٦. لكن قلة الذهب والنقد في العصور الوسطى كانت تجعل للمبالغ الواردة في النص قيمة الشراء أو العقاب أعظم كثيراً من قيمتها في هذه الأيام.