دامت اثنتين وأربعين سنة هدوءاً لم تعهده من زمن بعيد، بينما كانت الفوضى ضاربة أطنابها في الغرب. وكانت أهم حوادث ذلك العهد الذي لم يمح ذكراها من صفحات التاريخ نشر شرائع ثيودوسيس (٤٣٨). فقد عهد في عام ٤٢٩ إن طائفة من فقهاء القانون بأن يجمعوا كل ما شن في الإمبراطورية من قوانين مذ جلس قسطنطين على العرش، ونفذت الشرائع الجديدة في الشرق والغرب على السواء، وظلت هي الشرائع المعمول بها في الإمبراطورية حتى نشرت شرائع جستنيان التي كانت أعظم منها وأوسع.
وحكم الإمبراطورية الشرقية بين ثيودوسيوس وجستنيان الأول حكام كثيرون، كان الناس يلهجون بذكرها في أيامهم، أما الآن فلا يكاد يعرف عنهم اكثر من أسمائهم. إن يسر العظماء كلهم لتذكرنا بأن الخلود قصير الأجل! وحسبنا أن نذكر من هؤلاء الحكام ليو الأول (٤٥٧ - ٧٧٤) الذي أرسل لمحاربة جيسريك (٤٦٧) أكبر أسطول حشدته حكومة رومانية، ولكن هذا الأسطول هزم ودمر. وأحدث زينون الإصوري Zenothe Isaurian زوج ابنته شقاقاً كبيراً بين الكنيستين اليونانية واللاتينية بسبب رغبته في تهدئة ثائرة اليعقوبين، وذلك حين قرر في رسالته "التوحيدية" المعروفة باسم الهنوتيكون Henoticon أن ليس للمسيح إلا طبيعة واحدة، وكان أناستاسيوس (٤٩١ - ٥١٨) رجلا قديراً، شجاعاً، محباً للخير، دعم مالية الدولة بإدارته الاقتصادية الحكيمة، وخفض الضرائب، وألغى صراع الآدميين مع الوحوش في الحفلات والألعاب، وجعل القسطنطينية أمنع من عقاب الجو بإنشاء الأسوار الطويلة، التي كانت تمتد أربعين ميلا من بحر مرمرة إلى البحر الأسود، وانفق الكثير من أموال الدولة في غير هذه من الأعمال العامة الكثيرة، وترك في خزائنها ٠٠٠ ر ٣٢٠ رطل من الذهب (٩٠٠ ر ٤٠٠ ر ١٣١ ريال أمريكي) هي التي مهدت السبيل لفتوح جستنيان. لكن الشعب لم يعجبه اقتصاده وميوله