لا يقبله العقل إذا كانت فاجرة بحق. وقد يكون في مقدورنا أن نستنتج من كل ما يقال عن ثيودورا أنها بدأت حياتها سيدة غير مكملة، واختتمتها ملكة متصفة بجميع صفات الملوك الطيبة.
ويقول بروكبيوس قول الواثق إنها ابنة مدرب دببة، وإنها نشأت في جو حلبة ألعاب الوحوش، ثم صارت ممثلة ومومساً، تثير مشاعر أهل القسطنطينية، وتدخل البهجة في قلوبهم بتمثيل المسرحيات الصامتة الخليعة. ونجحت أكثر من مرة في إجهاض نفسها، ولكنها ولدت أبناً غير شرعي، وصارت عشيقة رجل سوري يدعى هسبولوس Hecebolus ثم هجرها هذا العشيق، واختفت عن الأعين فترة من الزمان في الإسكندرية، عادت بعدها إلى الظهور في القسطنطية فقيرة ولكنها عفيفة شريفة، تكسب قوتها بغزل الصوف، ثم أحبها جستنيان، فاتخذها عشيقة له، ثم تزوج بها وجعلها ملكة (٩). وليس في وسعنا الآن أن نعرف على وجه التحقيق ما في هذه الأقوال من صدق وكذب؛ ولكن الذي نستطيع أن نقوله إذا كانت هذه المقدمات لم تقلق بال إمبراطور فهي خليقة بألا نقف عندها طويلاً. وتوج جستنيان في كنيسة القديسة صوفيا بعد أن تزوجها بزمن قليل، وتوجت ثيودورا إمبراطورة إلى جانبه، ويقول بركبيوس إنه "من قسيس أظهر غضبه لهذا الإجرام الشنيع"(١٠).
وأيا كان منشأ ثيودورا فإنها أضحت بعد زواجها بالإمبراطور سيدة لا يستطيع أحد أن يتهمها في عفافها. وكانت تحب المال والسلطان حباً جماً، وتثور في بعض الأحيان ثورة جامحة، وتدبر المؤامرات لتصل إلى أغراضها التي لا تتفق مع أغراض جستنيان. وكانت نؤوما، تكثر من الطعام والشراب، وتحب الترف، والحلي، والمظاهر، وتقضي عدداً كبيراً من اشهر السنة في قصورها القائمة عل شاطئ البحر. لكن جستنيان ظل طول حياته يحبها رغم هذه الصفات، ويصبر صبر الفلاسفة على تدخلها في خططه وأعماله. لقد خلع عليها وهو كلف بها حلة