من السيادة لا تقل من الوجهة النظرية عن سيادته هو، ولم يكن في مقدوره أن يشكو إذا مارست هذه السيادة. وقد اشتركت اشتراكاً فعلياً في السياسة الخارجية والشئون الكنسية. وكانت تنصب البابوات والبطارقة وتخلعهم، وتعزل أعداءها من مناصبهم. وكانت في بعض الأحيان تصدر من الأوامر ما يتعارض وأوامر زوجها، وكثيراً ما كانت أوامرها هي في صالح الدولة، ذلك أن ذكائها كان يتناسب مع سلطانها. ويتهمها فبروكبيوس بقسوتها على معارضيها، وبأنها ألقت بعضهم في الجب وقتلت عدداً قليلاً منهم، وكان الذين يسيئون إليها إساءات شديدة يختفون دون أن يقف لهم أحد على أثر، وكانت تسير في هذا على المبادئ الأخلاقية السائدة بيننا في هذا القرن الذي نعيش فيه. لكنها لم يخل قلبها من الرحمة، من ذلك أنها بسطت حمايتها على البطريق أنثميوس الذي أمر جستنيان لنفيه لمروقه من الدين وأخفته في جناحها عامين كاملين. ولعلها كانت لينة فوق ما ينبغي مع زوجة بليساريوس التي عرفت بالزنى. ولكنها كفرت عن هذا بإقامة "دير للتوبة" جميل تلجأ إليه العاهرات التائبات. على أن بعض التائبات قد تبن من توبتهن، وألقين بأنفسهن من النوافذ لأنهن ضقن ذرعاً وفضلن عليه الموت (١٢). وكانت تعنى عناية الجدات بزواج صديقاتها، وكان لها هي الفضل في ترتيب هذه الزيجات، وكثيراً ما كانت تجعل الزواج شرطاً أساسياً للرقي في بلاطها. وقد صارت في شيخوختها حارسة قوية الشكيمة للأخلاق الكريمة وهو ما ينتظره الإنسان من أمثالها.
ثم وجهت عنايتها في آخر حياتها لدراسة الدين، وكانت تناقش زوجها في طبيعة المسيح. فقد كان جستنيان يبذل غاية جهده ليوحد الكنيستين الشرقية والغربية لاعتقاده أن الحدة الدينية لابد منها لوحدة الإمبراطورية. غير أن ثيودورا لم تكن تستطيع أن تفهم وجود طبيعتين في المسيح. وإن لم تجد صعوبة ما في وجود ثلاثة أقانيم في الله. ومن أجل هذا اعتنقت مذهب اليعاقبة،