الرقة في المعاملة؛ بل أخذوا يعيثون في البلاد فساداً لأن جستنيان لم يؤد اليهم أجورهم لنفاذ ما كان في خزائنه من المال، حتى أخذ الناس يتذكرون في أسى وحنان حكم ثيودريك وما كان يسوده من عدل ونظام (١٧).
وأمر بليساريوس أن يعود لإنقاذ الموقف. فلما عاد إلى إيطاليا تسلل وحده إلى روما المحاصرة مخترقاً صفوف توتيلا لكنه وصلها بعد فوات الوقت، فقد فقدت الحامية اليونانية روحها المعنوية، لأن ضباطها كانوا جبناء عاجزين؛ وفتح بعض الخونة أبواب المدينة، ودخلها جنود توتيلا البالغ عددهم عشرة آلاف رجل (٥٤٦). وبعث بليساريوس وهو خارج منها رسالة إلى توتيلا يطلب إليه ألا يدمر المدينة التاريخية. وسمح توتيلا لجنوده الجياع الذين لم ينالوا أجورهم أن ينهبوها، ولكنه منعهم من إيذاء السكان وحمى النساء من شهوات الجنود الجامحة ثم أخطأ إذ غادر روما ليحاصر رافنا. فلما غاب عنها استردها بليساريوس، ولما عاد توتيلا وحاصرها مرة أخرى عجز عن أن يخرج منها القائد اليوناني الموهوب. وظن جستنيان أن الغرب قد خضع له فأعلن الحرب على بلاد الفرس، واستدعى بليساريوس ليذهب إلى الشرق. فلما ذهب استولى توتيلا على روما من جديد (٥٤٩) ومن بعدها صقلية، وكورسكا، وسردينية، وشبه الجزيرة كلها تقريباً.
وأخيراً أعطى جستنيان قائداً من الخصيان يدعى نارسيز Narses " مبلغاً كبيراً جداً من المال" وأمره أن يحشد جيشاً جديداً يطرد به القوط من إيطاليا. وأدى نارسيز هذه المهمة بمهارة وسرعة، فهزم توتيلا، وقتل في أثناء فراره، وسمح لمن بقى من القوط أن يخرجوا من إيطاليا سالمين، وانتهت بذلك "الحرب القوطية" بعد أن دامت ثمانية عشر عاماً (٥٥٣).
وأتمت هذه السنون خراب إيطاليا. ذلك أن روما قد وقعت في أيدي الجيوش المحاربة خمس مرات متوالية، وحوصرت ثلاث مرات، ونفذ منها الطعام، وتعرضت للنهب والسلب، ونقص عدد سكانها من مليون إلى أربعين