ما يحتاجه الجيش والموظفون، والحاشية من البضائع (٢).
وأثار جماعة الرهبان النساطرة من أواسط آسية حوالي عام ٥٥٢ اهتمام الإمبراطور جستنيان بصناعة الحرير، إذ عرضوا عليه أن يمدوا الإمبراطورية بموارد مستقلة عن غيرها من البلاد. وإذا ذكرنا كثرة الحروب التي شبت نارها بين بلاد اليونان والرومان من جهة وبلاد الفرس من جهة أخرى للسيطرة على الطرق التجارية الموصلة إلى الصين والهند، ولاحظنا اسم "طريق الحرير" الذي كان يطلق على الممرات الشمالية الموصلة إلى بلاد الشرق الأقصى، واسم "سريكا Serica " (أرض الحرير) الذي كان الرومان يطلقونه على بلاد الصين واسم "سرنديا Serindia " الذي كانوا يطلقونه على الإقليم الواقع بين الصين والهند، إذ ذكرنا هذا كله أدركنا سبب قبول جستنيان لهذا الاقتراح والتحمس له. وعاد الرهبان إلى أواسط آسية ثم جاءوا إليه ومعهم بويضات دود القز، وأكبر الظن أنهم جاءوا معهم أيضاً ببذور شجر التوت (٣). وكانت صناعة الحرير قائمة قبل ذلك في بلاد اليونان، ولكنها كانت قائمة في نطاق ضيق، وكانت تعتمد على دود القز البري الذي يعيش على أوراق أشجار البلوط والدردار والسرو. وكانت نتيجة هذا الاقتراح أن قامت صناعة الحرير في نطاق واسع في بلاد الإمبراطورية وخاصة في سوريا وبلاد اليونان، وتقدمت في بلاد البلوبونيز تقدماً أكسب الجزيرة اسم موريا Morea أي أرض شجر التوت Morus Alba.
وكانت الدولة تحتكر صناعة بعض أنواع من المنسوجات الحريرية والصبغات الأرجوانية في مدينة القسطنطينية، وكانت هاتان الصناعتان تقومان في حوانيت داخل القصر الإمبراطوري أو قريبة منه (٤). ولم يكن يسمح بارتداء الثياب الحريرية المصبوغة الغالية إلا لكبار موظفي الحكومة، وكان أغلاها كلها لا يسمح به لغير أفراد الأسرة الإمبراطورية. ولما أخرجت المشروعات الفردية خفية منسوجات حريرية تماثل منسوجات الحكومة وباعتها لغير الطبقات الممتازة