للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضى جستنيان على هذه "السوق السوداء" بأن أزال معظم القيود المفروضة على لبس الحرير الغالي والملابس ذات الصبغة الغالية، وأغرق الحوانيت بالمنسوجات الحكومية، وباعها لها بأثمان لا تستطيع المصانع الخاصة مجازاتها؛ ولما قضى بهذه الطريقة على المنافسة عادت الحكومة فرفعت الأثمان مرة أخرى (٥). وحذا جستنيان حذو دقلديانوس فعمل على بسط السيطرة الحكومية على جميع الأثمان والأجور. وحدث بعد انتشار الطاعون في عام ٥٤٢ أن نقضت الأيدي العاملة، وارتفعت أجور العمال، وتضاعفت أثمان السلع. وعمل جستنيان ما عمله البرلمان الإنجليزي في عام ١٣٥١ بعد طاعون ١٣٤٨، فأراد أن يساعد أصحاب الأعمال والمستهلكين بمرسوم يحدد الأثمان والأجور جاء فيه:

لقد وصل إلى علمنا أن التجار، والصناع، والزراع، والبحارة قد تغلبت عليهم، بعد أن حل بنا غضب الله، روح الجشع، فأخذوا يطلبون أثماناً وأجوراً تعادل ضعفي ما كانوا ينالونه قبل أو ثلاثة أضعاف .... لذلك نحرم على هؤلاء جميعاً وأمثالهم أن يطلبوا أثماناً أو أجوراً أكثر مما كانوا يطلبونه من قبل. كذلك نحرم على متعهدي البناء، أو الأعمال الزراعية أو غيرها أن يؤدوا للعمال أجوراً أعلى مما جرت العادة بأدائه في الأيام الماضية (٦). وليس ما لدينا ما يدلنا على ما كان هذا المرسوم من أثر.

وراجت التجارة الداخلية والخارجية في الإمبراطورية البيزنطية من عهد قسطنطين إلى أواخر حكم جستنيان. وكان ما فيها من الطرق والجسور الرومانية يتعهد ويصلح بانتظام، ودفع الحرص الشديد على الكسب وما يبعثه من إبداع وإنشاء إلى بناء أساطيل بحرية ربطت العاصمة بمئات الثغور في الشرق والغرب. وظلت القسطنطينية في القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر أعظم الأسواق التجارية ومراكز النقل البحري في العالم كله، وانحطت الإسكندرية التي كانت لها السيادة في هذه الناحية منذ القرن الثالث قبل الميلاد، فأصبحت منزلتها في