عشر ميلاً في نفق مظلم، ويخرج بعده إلى شاطئ بحر عظيم، ويرى من وراء مائه عرش سبيتو العذراء إلهة البحار. ويناديها تعينه على عبور الماء ويقول:"إذا لم أفلح في هذا، فسألقي بنفسي على الأرض وأقضي نحبي". وتشفق عليه سبيتو وتسمح له أن يجتاز البحر في أربعين يوماً كلها عواصف وزعازع حتى يصل إلى الجزيرة السعيدة التي يسكن فيها شمش- نيشتيم المخلد أبد الدهر. ويتوسل إليه جلجميش أن يفضي إليه بسر الخلود ويرد عليه شمش- نيشتيم بأن يقص عليه قصة الطوفان، وكيف ندمت الآلهة على ما سببته في ثورة جنونها من دمار، وكيف أبقت عليه هو وزوجته فخلدتهما لأنهما أنجيا النوع الإنساني من الفناء ويقدم إلى جلجميش نبتة تجدد ثمارها شباب من يأكلها؛ ويبدأ جلجميش رحلته الطويلة إلى بلده مغتبطاً سعيداً ولكنه يقف في طريقه ليستحم، وبينا هو يفعل هذا إذ تخرج إليه أفعى وتسرق النبتة (١).
ويصل جلجميش إلى أروك يائساً حزيناً، ويطوف بالهياكل هيكلاً بعد هيكل يصلي ويدعو الآلهة أن ترد الحياة إلى إنجيدو ولو لم تطل حياته إلا ريثما يكلمه كلمة واحدة. ويظهر إنجيدو ويسأله جلجميش عن حال الموتى، فيرد عليه إنجيدو بقوله:"لا أستطيع أن أجيبك لأني لو فتحت الأرض أمامك، ولو أخبرتكما بما رأيت، لقضيت من شدة الهول، ولغشي عليك". ولكن جلجميش رمز الفلسفة، وهي تلك البلاهة الجريئة، يصر على طلب الحقيقة ويقول:"سيقضى عليّ الرعب، ويغشى عليّ، ولكن خبرني عنه". ويصف له إنجيدو أهوال الجحيم، وبهذه النغمة الحزينة تختتم الملحمة الناقصة (١٤٠).
(١) كان كثيرون من الأقدمين يعبدون الأفعى ويتخذونها رمزاً للخلود، وذلك لقدرتها الظاهرة على الفرار من الموت بتبديل جلدها.