للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في العالم كله. وكانت بداية عمله أن وضع في ذلك الوقت منهجاً للأبنية أوسع وأعظم من أي منهج آخر وضع لها في التاريخ: وكان هذا المنهج يَشمل حصوناً، وقصوراً وأديرة، وكنائس، وأروقة معمدة، وأبواباً أقيمت في جميع أنحاء الإمبراطورية. ففي القسطنطينية أعاد بناء مجلس الشيوخ من الرخام الأبيض، وشاد حمامات زيوكسبوس من الرخام المتعدد الألوان، وبنى رواقاً معمداً من الرخام، ومتنزهاً في الأوغسطيوم، ونقل الماء العذب إلى المدينة في قناة مبنية جديدة تضارع أحسن ما وجد من القنوات في إيطاليا. أما قصره فلم يكن يعلو عليه قصر آخر في البهاء والترف. فقد كانت أرضه وجدرانه من الرخام، وسُقُفه تقض بالفسيفساء البراقة ما ناله من النصر في أيام حكمه، وتصور الشيوخ في حفلاتهم يقدمون للإمبراطور مظاهر الإجلال والتعظيم التي "لا تكاد تقل عما يقدم منه لله" (٣٦)، وبني على الجانب الآخر من البسفور، بالقرب من خلقيدون مسكناً صيفياً لثيودورا وحاشيتها هو قصر هريون الذي كان له مرفؤه، وسوقه، وكنيسته وحماماته الخاصة به.

وبعد أربعين يوماً من خمود نار الفتنة نيقا بدأ يبني كنيسة أياصوفيا الجديدة. ولم يقمها إلى قديسة تحمل ذلك الاسم، بل أقامها إلى المقدسة صوفيا Hagia Sophia أو الحكمة المقدسة، أو العقل الخلاق، أو إلى الله نفسه. وأستدعى لهذا الغرض من ترالبس في آسية الصغرى، ومن ميليتس الأيونية، أنثميوس وأزدور أعظم المهندسين الأحياء، ليضعا رسوم البناء ويشرفا على تشييده. ولم يتبع المهندسان شكل الباسلقا التي جرت عليه التقاليد، بل وضعا للبناء تصميماً تكون صرته قبة واسعة لا ترتكز على جدران بل على أكتاف ضخمة، وتسندها نصفا قبتين من كلا الجانبين. واستخدم في العمل عشرة آلاف عامل، وأنفق عليه ٣٢٠. ٠٠٠ رطل من الذهب (١٣٤. ٠٠٠. ٠٠٠ دولار أمريكي) وهو كل ما كان في خزانة الدولة، وأمر حكام الولايات بأن يبعثوا إلى الكنيسة الجديدة بأجمل ما بقي من