للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخلفات القديمة، وجئ بعشرات الأنواع والألوان من الرخام من مختلف الأقطار وصبت في النقوش والزينات مقادير هائلة من الذهب، والفضة، والعاج، والأحجار الكريمة. واشترك جستنيان نفسه اشتراكاً عملياً في تخطيط البناء وإقامته، وكان له نصيب غير قليل (كما يقول المؤرخ المداهن الساخر) في حل ما يعترض العمل من المشاكل الفنية. فكان يتردد عليه في كل يوم وعليه ثياب بيض، وفي يده عصا طويلة، وعلى رأسه منديل، يشجع العمال ويحثهم على العمل ويتموه في موعده المقرر. وتم بناء الصرح العظيم في خمس سنين وعشرة أشهر؛ وفي اليوم السادس والعشرين من شهر ديسمبر من عام ٥٣٧ أقبل الإمبراطور والبطريق ميناس يتقدمان موكباً مهيباً لافتتاح الكنيسة المتلألئة الفخمة. وسار جستنيان بمفرده إلى المنبر ورفع يديه إلى السماء ونادى قائلاً: "المجد لله الذي رآني خليقاً بأن أتم هذا العمل! الجليل! أي سليمان! لقد انتصرت عليك! ".

وقد خط البناء على شكل صليب يوناني طوله ٢٥٠ قدماً وعرضه ٢٢٥، وغطى كل طرف من أطرافه بقبة صغرى، وقامت القبة الوسطى على المربع (البالغ ١٠٠ قدم × ١٠٠) والمكون من الضلعين المتقاطعين، وكانت ذروة القبة تعلو عن الأرض مائة قدم وثمانين قدماً. وقطرها مائة قدم -أي أقل من قطر قبة البنثيون في روما باثنتين وثلاثين قدماً. وكانت هذه القبة الثانية قد صبت من الأسمنت المسلح قطعة واحدة مصمتة، أما قبة أياصوفيا فقد بنيت من الآجر في ثلاثين سطحاً تلتقي كلها في نقطة واحدة- وهو طراز أضعف من الطراز الأول (١). وليست ميزة هذه القبة في حجمها بل في دعائمها: فهي لا تقوم على بناء دائري كما تقوم قبة البنثيون بل على أربطة من أعلاها، وعلى عقود


(١) حدث في عام ٥٥٨ زلزال صدع القبة الوسطى فانهارت في صحن الكنيسة، وأعاد بناءها إزدور بن إزدور المتوفي، وقوى دعائمها، ورفعها خمساً وعشرين قدماً فوق ما كانت عليه. وفي هذه القبة شروخ تنذر بأنها تحيا الآن حياة مزعزعة.