وكان التصوير بالألوان من الفنون الثانوية عند البابليين، يستخدمونه في تزيين الجدران والتماثيل، ولم يحاولوا قط أن يجعلوا منه فناً مستقلاً بذاته (١٤٤). ولسنا نجد في خرائب البابليين تلك النقوش الملونة التي تزدان بها قبور المصريين، أو تلك المظلات التي تجمل قصور كريت. كذلك لم يرق فن النحت عند البابليين، ويلوح أن هذا الفن قد جمد وقضي عليه قبل أن يكتمل نمو ما ورثته بابل من القواعد التي جرى بها العرف عند السومريين، وأرغمها الكهنة على اتباعها والجري على سننها: فكل الوجوه المرسومة وجه واحد، ولكل الملوك أجسام ممتلئة قوية العضلات، والأسرى كلهم كأن تماثيلهم صبت في قالب واحد. ولم يبق من تماثيل البابليين إلا القليل، ولم يكن ثمة ما يوجب هذه القلة. والنقوش الغائرة أحسن حالاً من التماثيل ولكنها هي الأخرى فجة خشنة يتحكم فيها العرف والتقاليد؛ وثمة فارق كبير بينها وبين نقوش المصريين القوية التي حفروها من قبلهم بألف عام. ولا تصل هذه النقوش إلى غايتها إلا حين تمثل الحيوانات وهي هادئة ساكنة مهيبة في أرباضها الطبيعية، أو مهتاجة أثارتها قسوة الإنسان (١٤٥).
وليس في وسعنا الآن أن نحكم حكماً عادلاً على فن العمارة البابلي لأننا لا نكاد نجد شيئاً من مخلفات هذا الفن يرتفع فوق الرمال أكثر من بضع أقدام، وليس بين آثارهم صور لعمائرهم منحوتة أو مرسومة، يستدل منها بوضوح على أشكال القصور والهياكل وهندسة بنائها. وكانت البيوت تبنى من الطين، أو من الآجر إن كانت للأغنياء منهم، وقلما كانت لها نوافذ، ولم تكن أبوابها تفتح على الشوارع الضيقة بل كانت تفتح على فناء داخلي مظلل من الشمس. وتصف الأخبار المتواترة بيوت الطبقات الراقية بأنها مكونة من ثلاث طبقات أو أربع (١٤٦). أما الهياكل فكانت تقوم على قواعد في مستوى سقف البيوت التي كانت تلك الهياكل تسيطر على حياة أهلها. وكان الهيكل في الغالب بناء ضخماً من القرميد مشيداً كالبيوت حول فناء تقام فيه معظم الحفلات الدينية.