للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في سلسلة من التبادل التجاري البطيء. وأعانت الطرق والجسور الصالحة، التي كانت تتعهدها الدولة بعنايتها، على إنشاء طائفة من المراكز، وطرق القوافل التجارية التي ربطت طيسفون بسائر ولايات الدولة؛ وأنشئت المرافئ في الخليج الفارسي، لتيسير التجارة مع الهند. وكانت الأنظمة الحكومية تحدد أثمان الحبوب، والأدوية وغيرها من ضروريات الحياة، وتمنع تخزينها لرفع أثمانها، واحتكارها (٢٨). وفي وسعنا أن نقدر ثراء الطبقات العليا من قصة الشريف الذي دعا ألف ضيف إلى وليمة، فلما جاءوا وجد أنه لا يملك من الصحاف ما يكفي لأكثر من خمسمائة، فاستطاع أن يستعير الخمسمائة الباقية من جيرانه (٢٩).

ونظم أمراء الإقطاع، الذين كانوا يعيشون في الغالب في ضياعهم، طريقة استغلال الأرض ومن عليها، وألفوا الفيالق من مستأجري أرضهم ليحاربوا حروب الآمة. وكانوا يتدربون على الحرب بمطاردة الصيد بحماسة وشجاعة، فكانوا لذلك ضباطاً في سلاح الفرسان ذوى شهامة؛ وكانوا هم وجيادهم مسلحين كما كانت جيوش الإقطاع مسلحة في أوربا فيما بعد؛ ولكنهم لم يبلغوا ما بلغه الرومان في فرض النظام على جنودهم، أو في استخدام ما عرف فيما بعد من فنون هندسة الحصار والدفاع. وكان يعلوا عليهم في المنزلة الاجتماعية عظماء الأشراف الذين كانوا يتولون حكم الولايات ويرأسون المصالح الحكومية. وما من شك في أن الإدارة الحكومية كانت حازمة قديرة إلى حد بعيد؛ وشاهد ذلك أن الخزانة الفارسية كانت في أغلب الأوقات أكثر عمراناً بالمال من خزائن أباطرة الرومان، وإن كانت الضرائب في الدولة الفارسية أقل إرهاقاً مما كانت عليه في الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو الغربية. ولقد كان في خزائن كسرى أبرويز في عام ٦٢٦ ما قيمته ٤٦٠،٠٠٠،٠٠٠ دولار أمريكي (٣٠)، وكان دخله السنوي يقدر بنحو ١٧٠،٠٠٠،٠٠٠ دولار_ وهما مبلغان ضخمان إذا ذكرنا ما كان للفضة والذهب من قوة الشراء في العصور الوسطى.