وكان سن القوانين من عمل الملوك، ومستشاريهم، والمجوس؛ وكانوا يعتمدون في سنها على قوانين الأبستاق القديمة، وكان يترك للكهنة تفسير هذه القوانين وتنفيذها. ووصف أميانوس، الذي كان يحارب الفرس، قضاتهم بأنهم كانوا "رجالا عدولا، ذوي تجربة، وعلم بالقوانين (٣١) ". وكان المعروف عن الفرس بوجه عام أنهم يحافظون على الوعد، وكانت الإيمان التي يقسمونها في المحاكم تحاط بهالة من التقديس، وكان الحنث في اليمين يلقى أشد العقاب في هذا العالم بحكم القانون، ويعاقب صاحبه في الدار الآخرة بوابل من السهام، والبلط والحجارة. وكان التحكيم الإلهي من الوسائل التي يلجأ إليها لكشف الجرائم، فكان يطلب إلى المتهمين أن يمشوا على مواد تحمى في النار حتى تحمر، أو يخوضوا اللهب، أو يطعموا الطعام المسموم. وكان وأد الأطفال وإسقاط الأجنة محرمين يعاقب من يرتكبهما بالإعدام. وكان الزاني إذا عرف ينفى من البلاد والزانية يجع أنفها وتصلم أذناها. وكان في وسع المتقاضين أن يستأنفوا الأحكام أمام محاكم عليا؛ ولم يكن الحكم بالإعدام ينفذ إلا إذا نظر فيه الملك وأقره.
وكان الملك يقول إنه يستمد سلطانه من الآلهة، وإنه وليهم في الأرض، وإنه يضارعهم في قوة أحكامهم، وكان يلقب نفسه حين تسمح الظروف "ملك الملوك، وملك الآريين وغير الآريين، وسيد الكون، وابن الآلهة (٣٢) ". وأضاف شابور الثاني إلى هذه الألقاب:"أخا الشمس والقمر، ورفيق النجوم" وكان الملك الساساني مطلق السلطان من الوجهة النظرية، ولكنه كان يعمل في العادة بمشورة وزرائه الذين كانوا يؤلفون مجلساً للدولة. وقد أثنى المسعودي المؤرخ المسلم على ما كان الملوك الساسانيين من إدارة ممتازة، وعلى سياستهم الحسنة النظام، وعنايتهم برعاياهم ورخاء بلادهم (٣٣).
ويقول كسرى أنوشروان، كما جاء في كتاب ابن خلدون "لولا الجيش لما كان الملك، ولولا موارد الدولة ما كان الجيش، ولولا الضرائب ما كانت الموارد؛ ولولا الزراعة ما كانت الضرائب،