ولولا الحكومة العادلة ما كانت الزراعة (٣٤)". وكانت المَلَكِية في الأوقات العادية وراثية، ولكن كان في وسع الملك أن يختار غير ابنه الأكبر ليخلفه على العرش. وجلست ملكتان على العرش في زمنين مختلفين؛ وإذا لم يترك الملك من بعده ولياً من نسله اختار الأشراف ورجال الدين حاكماً على البلاد، ولكنهم لم يكونوا يستطيعون أن يختاروا واحداً من غير الأسرة المالكة.
وكانت حياة الملك مثقلة بالواجبات والتبعات التي لا آخر لها. فقد كان ينتظر منه أن يخرج للصيد والقنص بلا خوف، وكان يخرج إليه في هودج مزركش تجره عشرة من الجمال، وعليه ثيابه الملكية. وكانت سبعة جمال تحمل عرشه، ومائة جمل تحمل الشعراء المنشدين. وقد يكون في ركابه عشرة آلاف من الفرسان؛ ولكن إذا صدقنا ما كتب من النقوش الساسانية على الصخور قلنا إنه كان ينبغي له آخر الأمر أن يمتطي صهوة جواد، ويواجه بنفسه وعلاً، أو غزالاً، أو رئماً، أو جاموساً برياً، أو نمراً، أو أسداً، أو غيرها من الوحوش التي جمعت في حديقة حيوان الملك أو "جنته". فإذا عاد من الصيد إلى قصره واجه مهام الحكم الشاقة، وسط ألف من الحشم وفي حفلات اآخر لها. وكان عليه أن يرتدي ثياباً مثقلة بالجواهر، وأن يجلس على عرش من الذهب، ويضع على رأسه تاجاً يبلغ من الثقل حداً لابد معه أن يعلق على مسافة جد صغيرة، لا يمكن رؤيتها، من رأسه الذي لا يستطيع تحريكه. وعلى هذا النحو كان يستقبل الشعراء، والأضياف، ويتبع ما لا يحصى من المراسم الشاقة الدقيقة، ويصدر الأحكام، ويستقبل الوافدين الذين حددت لهم المواعيد ويتلقى التقريرات. وكان على الذين يدخلون عليه أن يخروا سجداً أمامه، ويقبلوا الأرض بين يديه، وألا يقفوا إلا إذا أمرهم بالوقوف، ولا يتحدثوا إليه إلا وفي فمهم منديل خشية أن تعدي أنفاسهم الملك أو تدنسه. فإذا جاء الليل دخل على إحدى زوجاته أو محظياته يبذر فيها بذوره العليا.