للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعلن في عام ٤٩٠ أنه مرسل من عند الله للدعوة إلى عقيدة قديمة مضمونها أن الناس جميعاً يولدون أكفاء، وأن ليس لأحد من الناس حق طبيعي في أن يمتلك أكثر مما يمتلكه غيره، وأن المِلْكية والزواج من البدع التي ابتدعها البشر، وأنها أخطاء عاقبتها البؤس والشقاء، وأن السلع جميعها والنساء كلهن يجب أن تكون ملكاً مشاعاً لجميع الرجال. ويقول عنه أعدائه إنه كان يجيز السرقة، والزنى ومضاجعة المحارم ويتخذ هذه الأعمال وسيلته الطبيعية لمقاومة الملكية والزواج، ويقول إنها الطرق المشروعة للوصول إلى المدينة الفاضلة. واستمع إليه الفقراء وبعض الطوائف الأخرى مغتبطين، ولكن أكبر الظن أن مزدق نفسه قد أدهشته أن يجد ملكاً يوافق على آرائه. وبدأ أتباعه ينهبون بيوت الأغنياء، ثم لا يكتفون بهذا بل يسبون نساءهم أيضاً، ويأخذون أثمن ما في هذه البيوت ومن فيها من جوار ومحظيات حسان. وثارت ثائرة الأشراف فزجوا كفاده في السجن وأجلسوا أخاه جامسب على العرش. وقضى كفاده في "قلعة النسيان" ثلاث سنين فر بعدها من السجن، وهرب إلى الإفثاليين، ورأى هؤلاء الفرصة سانحة لأن يكون حاكم بلاد الفرس خاضعاً لسلطانهم، فأمدوه بجيش وساعدوه على أخذ طيسفون عنوة. ونزل جامسب عن العرش، وفر الأشراف إلى ضياعهم في الريف، وأصبح كفاده مرة أخرى ملك الملوك (٤٩٩). ولما استتب له الأمر غدر بالشيوعيين، وقتل مزدق وآلافاً من أتباعه (٣٩). ولعل هذه الحركة قد رفعت من شأن العمل اليدوي، لأن قرارات مجلس الدولة بعدئذ لم يكن يوقعها الأمراء ورجال الدين وحدهم، بل كان يوقعها معهم رؤساء نقابات الحرف (٤٠). وحكم كفاده بعد ذلك جيلاً آخر؛ وحارب أصدقاء الإفثاليين وانتصر عليهم، وحارب روما حرباً غير حاسمة، ثم مات وترك العرش لابنه الثاني كسرى أعظم ملوك الساسانيين جميعاً.

كان خسرو الأول ("أي صاحب المجد المتقى" ٥٣١ - ٥٧٩) يعرف عند اليونان باسم كسروس Chosroes وعند العرب باسم كسرى؛ ولقبه الفرس