للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"ما هو أشد أنواع البؤس؟ ". وأجاب أحد الفلاسفة اليونان عن هذا السؤال بقوله: "هو الشيخوخة المصحوبة بالفقر والبلاهة": وأجاب فيلسوف هندي بل هو "العقل القلق في الجسم السقيم". وكسب وزير كسرى ثناء جميع المجلس بحق حين قال "أما أنا فأعتقد أن أشقى الشقاء أن يرى الإنسان آخرته منه من غير أن يكون قد مارس الفضيلة" (٤٤). وكان كسرى يناصر الآداب، والعلوم، ويعين العلماء على متابعة الدرس بالهبات القيمة، ويمد بالمال المترجمين والمؤرخين. وبلغت جامعة غنديسابور في أيامه ذروة مجدها. وكان يحرص كل الحرص على حماية الأجانب في بلاده فكان بلاطه لهذا السبب غاصاً على الدوام بكبار الزائرين من البلاد الأجنبية.

ولما جلس على العرش جهر برغبته في أن يعقد الصلح مع روما. ووافق جستنيان على هذه الرغبة لأنه كان يعد العدة لغزو أفريقية وإيطاليا، ووقع "الأخوان" في عام ٥٣٢"صلحاً دائماً". ولما أن سقطت أفريقية وإيطاليا في يد جستنيان طالب كسرى متفكهاً بقسط من الغنيمة، وحجته أن بيزنطية لم تكن لتصل إلى هذا النصر لو أن فارس لم تعقد معها الصلح، فبعث إليه جستنيان ببعض الهدايا القيمة (٤٥). وفى عام ٥٣٩ أعلن كسرى الحرب على "روما" بحجة أن جستنيان قد أخل بشروط الصلح، ويؤيد بركبيوس هذه التهمة. لكن أكبر الظن أن كسرى قد رأى أن من الحكمة أن يبادر بالهجوم على جستنيان وجيوشه لا تزال مشغولة في الغرب، فذلك في رأيه خير له من أن ينتظر حتى تنتصر بيزنطية ثم توجه قوتها كلها ضد فارس. يضاف إلى هذا أن كسرى قد بدا له ألا بد لبلاد الفرس من امتلاك مناجم الذهب في طربزون وأن يكون لها منفذ على البحر الأسود. ولهذا زحف على سوريا، وحاصر هيرابوليس، وأباميا، وحلب، وتركها وشأنها بعد أن افتدت أنفسها بكثير من المال، وسرعان ما وقف أمام إنطاكية. ولم يبال أهلها به وبقوته فحيوه من فوق