وكان صانعو الفضة يصنعون صحافاً قيمة، ويساعدون الصياغ على صنع الحلي للخاصة والسواقة على السواء رجالاً كانوا أو نساء. وقد بقيت حتى الآن عدة صحاف من عهد الساسانيين في المتحف البريطاني وفي لنينغراد، والمكتبة الأهلية بباريس، والمتحف الفني بنيويورك، وتحمل كلها صور ملوك أو نبلاء في الصيد، وحيوانات اكثر إتقاناً من الآدميين. وكانت النقود الساسانية نافس بعض الأحيان النقود الرومانية في جمال منظرها، كما تشهد بذلك عملة شابور الأول (٦٥). والكتب الساسانية نفسها يمكن أن تعد من التحف الفنية. وتصف الروايات المتواترة كيف كان الذهب والفضة يجريان من جلود ماني حين أحرقت في الميادين العامة (٢٦). وكانت المواد الثمينة تستخدم في أثاث الساسانيين، يدل على ذلك أن كسرى الأول كانت له منضدة من الذهب مرصعة بالحجارة الكريمة، وأن كسرى الثاني أرسل إلى منقذه، الإمبراطور موريس (أو موريق)، منضدة من الكهرمان، قطرها خمسة أقدام، ذات قوائم من الذهب، ومغلفة بالجواهر (٢٧).
وملاك القول أن الفن الساساني يكشف عن جهود كبرى بذلت لإنعاشه بعد أن ظل أربعة قرون آخذاً في الاضمحلال في عهد البارثيين. وإذا جاز لنا أن نحكم عليه من بقاياه، قلنا في شيء من التردد إنه لا يضارع الفن الإكيميميني في نبله وفخامته، أو الفن الفارسي الإسلامي في قوة ابتكاره ورقته وحسن ذوقه، ولكنه احتفظ في النقوش البارزة بكثير مما كان له في الزمن القديم من قوة تبشر بما بلغته موضوعات التحلية من خصوبة في مستقبل الأيام. وكان هذا الفن يرحب بالأفكار والأنماط الجديدة، وقد أوتي كسرى الأول من الحكمة ما جعله يستخدم فنانين ومهندسين من اليونان في الوقت الذي كان يهزم فيه قواد اليونان العسكريين. وقد وفى الفن الساساني بما عليه من الدين، فكان يصدر أشكاله وتحفه شرقاً إلى بلاد الهند، وإلى التركستان والصين، وغرباً إلى سوريا وآسية