للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من طريق القوافل الذاهب إلى البتراء وبيت المقدس ماراً بمكة والمدينة. وحدث حوالي عام ١١٥ ق. م أن قامت مملكة صغيرة أخرى في الجنوب الغربي من بلاد العرب هي مملكة الحميرين، فهاجمت مملكة سبأ، وغلبتها على أمرها، وظلت بعد هذا الوقت تسيطر على تجارة بلاد العرب عدة قرون. وفي عام ٢٥ ق. م غضب أغسطس من سيطرة بلاد العرب على التجارة المتبادلة بين مصر والهند فسير جيشاً بقيادة جالوس Aelius Gallus للاستيلاء على مأرب. وأضل الأدلاء العرب الفيالق الرومانية، وأهلكهم الحر والمرض، وعجزت الحملة عن تحقيق غرضها، ولكن جيشاً رومانياً آخر نجح في الاستيلاء على عدن، وانتقلت بذلك السيطرة على التجارة بين مصر والهند إلى يد روما. (وقد فعل البريطانيون ذلك بعينه في الوقت الحاضر).

وفي القرن الثاني قبل الميلاد عبر بعض الحميريين البحر الأحمر، واستعمروا بلاد الحبشة، ونشروا الثقافة السامية بين أهلها الزنوج، كما أدخلوا فيها الكثير من الدم السامي (١). وتلقى الأحباش من مصر وبيزنطية الدين المسيحي والصناعات اليدوية والفنون. وكانت سفنهم التجارية تجوب البحار وتوغل فيها إلى الهند وسرنديب (٢). وكانت سبع ممالك صغيرة تقر بالسيادة للنجاشي (٢).


(١) يطلق اسم الساميين على الشعوب التي تنتسب إلى سام بن نوح كما هو وارد في سفر التكوين (١٠ - ١). وليس في استطاعتنا أن نقول بالدقة ما هي هذه الشعوب السامية، ولكننا نستطيع أن نقول بوجه عام إن سكان سوريا، وفلسطين وأرض النهرين، وبلاد العرب، والسكان العرب في أفريقية ساميون، إذا فهمنا من هذا اللفظ أنهم يتكلمون لغات سامية، كما نستطيع أن نسمي السكان الأقدمين في آسية الصغرى وأرمينية، وبلاد القفقاس: وأهل فارس، وشمالي الهند، ومعظم أوربا وجميع سكان أمريكا الذين من أصل أوربي "هندروبيين" لأنهم يتكلمون لغات هندية جرمانية.
(٢) جبن Gibbon اضمحلال الدولة الرومانية وسقوطها Deion and Fal of the Roman Empir طبعة Everman's Library المجلد الرابع ص ٣٢٢. ولقد كان من مفاخر جبن أنه أدرك ما للإسلام من شأن عظيم في تاريخ العصور الوسطى، وأنه كتب تاريخه السياسي كتابة تنم عن علم غزير، وكتبه بدقة منقطعة النظير.