هذا في الحبشة أما في بلاد العرب نفسها فإن كثيرين من الحميريين ساروا على سنة ملكهم ذي نواس، واعتنقوا الدين اليهودي، واندفع ذو نواس في حماسته الدينية فأخذ يضطهد المسيحيين المقيمين في الجنوب الغربي من جزيرة العرب، فاستغاث هؤلاء ببني دينهم، واستجاب الأحباش إلى دعوتهم، وهزموا ملوك الحميريين (٥٢٢ م)، وأجلسوا على عرش البلاد أسرة حبشية. وتحالف جستنيان مع الدولة الجديدة، ورد الفرس على هذا بأن انحازوا إلى جانب ملوك حمير المخلوعين وطردوا الأحباش، وأقاموا في بلاد اليمن حكماً فارسياً (٥٧٥) انتهى بعد ستين عاماً أو نحوها حين فتح المسلمون بلاد الفرس.
وازدهرت بعض الممالك العربية الصغرى في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة، ولكنها لم تدم طويلاً. فقدد ظل مشايخ بني غسان يحكمون الجزء الشمالي الغربي والقسم المحيط بتدمر من بلاد سوريا من القرن الثالث إلى القرن السابع تحت سيادة بيزنطية. وأنشأ ملوك بني لحم في الحيرة القريبة من بابل في هذا الوقت عينه بلاطاً نصف فارسي، وتقفوا ثقافة فارسية اشتهرت بموسيقاها وشعرها. ويرى من هذا أن العرب انتشروا شمالاً في سوريا والعراق قبل الإسلام بزمن طويل.
وكان النظام السياسي السائد في بلاد العرب قبلا الإسلام، إذا استثنينا هذه الممالك الصغرى في الجنوب والشمال، وهو النظام البدائي الذي يقوم على رابطة القرابة والذي تجتمع الأسر بمقتضاه في عشائر وقبائل. بل إن هذه الممالك الصغرى نفسها لم تكن تخلو من قسط كبير من هذا النظام القبلي. وكانت القبيلة تسمى باسم أب لها مزعوم عام، فالغساسنة مثلاً كانوا أنهم "أبناء غسان"، ولم يكن لبلاد العرب بوصفها وحدة سياسية وجود قبل عصر النبي إلا في مسميات اليونان غير الدقيقة، فقد كانوا يسمون جميع الساكنين في شبه الجزيرة باسم السركنوي Sarakenoi، ومن هذا الاسم اشتق اللفظ الإنجليزي Saracens، ويلوح أنه هو