وكان شعراء الجاهلية ينشدون أشعارهم على نغمات الموسيقى، فجمعوا بذلك بين الشعر والموسيقى في صورة واحدة. وكان الناي، والمزهر، والدف أحب الآلات الموسيقية إليهم، وكثيراً ما كانت الفتيات المغنيات يُستدعين لتسلية الأضياف في الولائم. وكان في مجال الشراب عدد منهن، وكان عند ملوك الغساسنة عدد كبير من الفتيات ليفرجن عنهم متاعب الملك. ولما خرج أهل مكة لقتال النبي في عام ٦٣٤ أخذوا معهم سرباً القيان ليلينهم ويشجعنهم على القتال، وكانت الأغاني العربية حتى في أيام الجاهلية أناشيد مشجية حزينة، لا تُستخدم فيها إلا ألفاظ قليلة نغمتها على الدوام في الدرجات العليا من السلم الموسيقي، وتكفي فيها أبيات قليلة لتشغل المعنى ساعة كاملة.
وكان للعربي ساكن الصحراء دينه الدال على حذقه ودهائه رغم بدائيته. فكان يهاب ويعبد أرباباً لا حصر لها في النجوم، والقمر، وفي أطباق الأرض، وكان حين إلى حين يطلب الرحمة من السماء المنتقمة، ولكنه لم يكن في الغالب يستبين سبيل الرشاد بين الجن المحيطين به، ولا يرى أملاً في استرضائهم، فغلب عليه من أجل ذلك النزعة الجبرية والاستسلام، فإذا دعاهم في رجولة ولم يطل الدعاء، ويستهزئ بالأبدية ولا يعبأ بها، وبيدوا أنه لم يكن يفكر كثيراً في الحياة بعد الموت، على أنه كان في بعض الأحيان يطلب أن يربط جمله بجوار قبره، وأن يُمنع عنه الطعام حتى يلحق به بعد قليل في الدار الآخرة، وينجيه من مذلة السير على قدميه في الجنة، وكان بين الفينة والفينة يقدم لآلهته الضحايا البشرية، كما كان في بعض الأماكن يعبد الأصنام الحجرية.
وكانت مكة مركز عبادة الأصنام. ولم يكن سبب قيام هذه المدينة المقدسة في موضعها الذي قامت فيه هو جودة مناخها، ذلك أن الجبال الجرداء التي تكاد تطبق عليها من جميع الجهات تجعل صيفها حار لا يطاق. وكان الوادي الذي تقوم