المشربة، أجود شئن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معاً، … أجود الناس كفاً وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من آره بديهة، ومن خالطه أحبه، يقول ناعته "لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم".
وكان محمد مهيب الطلعة، لا يضحك إلا قليلاً، قادراً على الفكاهة ولكنه لا يترك العنان لهذه الموهبة، لأنه كان يعرف خطورة المزاح إذا نطق به من يتولى أمور الناس، ولم يكن قوي البنية، ولهذا كان مرهف الحس سريع التأثر، ميالاً إلى الانقباض كثير التفكير. كان إذا غضب أو تهيج انتفخت عروق وجهه بدرجة يرتاع لها من حوله (١)، ولكنه كان يعرف متى يهدأ من انفعاله، وكان في وسعه أن يعفو من فوره عن عدوه الأعزل إذا تاب.
وكان في بلاد العرب كثيرون من المسيحيين، وكان منهم عدد قليل في مكة، وكان محمد على صلة وثيقة بواحد منهم على الأقل ورقة بن نوفل ابن عم خديجة الذي كان مطلعاً على كتب اليهود والمسيحيين المقدسة. وكثيراً ما كان محمد يزور المدينة التي مات فيها والده، ولعله قد التقى هناك ببعض اليهود وكانوا كثيرين فيها. وتدل كثير من آيات القرآن على إعجابه بأخلاق المسيحيين، وبما في دين اليهود من نزعة إلى التوحيد، وبما عاد على المسيحية واليهودية من قوة كبيرة لأن لكلتيهما كتاباً مقدساً تعتقد أنه موحى من عند الله. ولعله قد بدا له أن ما يسود جزيرة العرب من شرك، ومن عبادة للأوثان، ومن فساد خلقي، ومن حروب بين القبائل وتفكك سياسي، نقول لعله قد بدا له أن حال بلاد العرب إذا قورنت
(١) كان النبي يغضب أحياناً لله ولدينهِ، ولكننا لا نعرف أنه كان يتهيج لأن التهيج صفة لا تليق بمصلح فضلاً عن رسول الله رب العالمين وخاصة والله يصفه بأنه بالمؤمنين رءوف رحيم ويقول عنه "وإنك لعلى خلق عظيم" و "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".