للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما تأمر به المسيحية واليهودية حال بدائية لا تشرف ساكنيها. ولهذا أحس بالحاجة إلى دين جديد، ولعله أحس بالحاجة إلى دين يؤلف بين هذه الجماعات المتباغضة المتباعدة، ويخلق منها أمة قوية سليمة، دين يسمو بأخلاقهم عما ألفه البدو من شريعة العنف والانتقام، ولكنه قائم على أوامر منزلة لا ينازع فيها إنسان، ولعل هذه الأفكار نفسها قد طافت بعقل غيره من الناس، فنحن نسمع عن قيام عدد من "المتنبئين" في بلاد العرب في بداية القرن السابع، وقد تأثر كثير من العرب بعقيدة المسيح المنتظر التي يؤمن بها اليهود، وكان هؤلاء أيضاً ينتظرون بفارغ الصبر مجيء رسول من عند الله.

وكانت في لبلاد شيعة من العرب تدعى بالحنفية أبت أن تقر بالألوهية لأصنام الكعبة وقامت تنادي بإله واحد يجب أن يكون البشر جميعاً عبيداً له وأن يعبدوه راضين (١).

وكان محمد، كما كان كل داعٍ ناجح في دعوته، الناطق بلسان أهل زمانه والمعبر عن حاجاتهم وآمالهم.

وكان كلما قرب من سن الأربعين ازداد انهماكاً في شؤون الدين، فإذا حل شهر رمضان (٢) -وهو من الأشهر الحرم-أوى وحده أو جمع أسرته في بعض الأحيان إلى غار حراء على بعد ثلاثة أميال من مكة، وقضى فيه عدة أيام وليالي في الصوم، والتفكير، والصلاة. وبينما هو في ذلك الكهف بمفرده في ليلة من ليالي عام ٦١٠ م. إذ حدث له ذلك الحادث العظيم وهو المحور الذي يدور


(١) يريد بهم ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحوبرت، وزيد ابن عمر بن نفيل، وكانوا قد أيقنوا أن ما هم عليه من الوثنية ليس بشيء فتفرقوا في البلاد يلتمسون الحنفية دين إبراهيم عليه السلام. (ي)
(٢) الذي في سيرة بني هشام "ج‍١ ص ١٥٣" أنه كان "يجاور في حراء من كل سنة شهراً" دون تعيين أن شهر رمضان بالذات، إلا أن هذا الشهر كان رمضان في السنة التي بعث فيها صلى الله عليه وسلم. (ي)